للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فائدة: والحكمةُ الإِلهِيَّةُ في إجراء تلك القصة في بيت النبوة، بيانُ صبرِ النبيِّ، وثباتهِ على أحكام الشرع، وعدمِ مجاوزته عن الحدود: «فإنَّ سَعْدًا لمَّا سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلّم عن رجل يرى على امرأته رجلًا، ولم يَجِدْ عليهِ بيِّنةً: كيف يفعل؟ قال له: إنه يأتي بالبيِّنة، أو يُحَدُّ حدَّ القذف، فقال له سعدٌ: ولكنِّي واللَّهِ أضْرِبُهُ بالسيف، غير مُصْفِحٍ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم انظروا إلى غَيْرَةِ سعدٍ، وأنا أَغْيَرُ منه، والله أَغْيَرُ منِّي»، ثم نَزَلَ اللِّعَان، فَكَشَفَ اللَّهُ سبحانه أنه لم يَقُلْهُ لسعدٍ فقط، بل لما ابْتُلِيَ به ترقَّب الوحيَ بنفسه أيضًا، ولم يَعْجَلُ في أمره، ولا احتال لِدَرْئِهِ.

ثُمَّ إنِّي أجد أنه ما من نبيَ إلَّا وقد ابْتُلِيَ من جهة النساء قبله أيضًا، وذلك لأنهم أشدُّ الناس بلاءً، وأشدَّه ما يأتي على المرء من قبل عشيرته، وأهل بيته. فآدمُ لَامَهُ ربُّه من أجل حواء عليهما الصلاة والسلام. وأمَّا نوح عليه الصلاة والسلام، فلم تَكُنْ زوجتُهُ مؤمنةً. وأمَّا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فاضطر إلى الخروج من أجل الخصومة بين سارة وهاجر عليهما السلام. وكذلك ما وَقَعَ لموسى عليه الصلاة والسلام في الخُطْبَة، حيث قذفته امرأةٌ، وكان قارون أَمَرَهَا به. وقد ابْتُلِي عيسى عليه الصلاة والسلام من جهة أمِّهِ حيث اتَّهمُوها ممَّا يَعْلَمُ اللَّهُ أنها كانت بريئةً منه. ونحوه وقع للوط عليه الصلاة والسلام أيضًا. فأَصَابَ امرأته ما أَصَابَ قومه.

فتلك سُنَّةٌ قد أتت على من قبله من الرُّسل أيضًا، لِيَرَى اللَّهُ سبحانه بها صبرَ أنبيائه، واستقامتَهم على الحقِّ، وثباتَهم على الدين، عليهم الصلاة والتسليم، وسيجيءُ بعضُ الكلامِ عن قريبٍ.

ثم اعلم أنه يُعْلَمُ من البخاريِّ: أن حسَّانَ كان مِمَّن خَاضَ في حديث الإِفْكِ، ولكن يُعْلَمُ من أبياته أنه لم يَفِهْ به أصلًا، حيث يَمْدَحُهَا، ويُبَرِّىءُ نفسه عمَّا رُمِيَ بهِ، فيقول: كما سيجيءُ:

* حَصَانٌ رَزَانٌ، ما تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وتُصْبِحُ غَرْثَى من لُحُومِ الغَوَافِلِ

قوله: (حَصَانٌ): "عفت والى هى".

قوله: (رَزَانٌ): "وقار والى هى بهارى بهر كم هى".

قوله: (غَرْثَى)، أي جائعة، لأنها لا تَغْتَابُ النساءَ الغافلات. وفي قصيدته:

* فإنْ كُنْتُ قد قُلْتُ الذي قد زَعَمْتُمْ، ... فلا رفعت صوتي إليّ أنامل

وحَمَلَ الحافظُ: أن هذا التشبيبُ في بيته: قلتُ: كلَّا، بل هو في عائشةَ، كما يَدُلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>