كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم حَاصَرَ أهلَ الطَّائِفِ، فلم يُفْتَحْ لَهُ، فَرَجَعَ منها.
٤٣٢٦، ٤٣٢٧ - قوله:(سَمِعْتُ ... وأَبَا بَكْرَةَ، وكَانَ تَسَوَّرَ حصن الطائف)، واعلم أنه من خَرَجَ إلينا من عبيد الكُفَّارِ عُتِقَ عند إمامنا. فكان أبو بَكْرَةَ، وأصحابُه عبيدًا لأهل الطائف، فقرُّوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فجعلهم أحرارًا، ولم يَرُدَّهُمْ إلى مواليهم حين جاءوا يَطْلُبُونَهم، فقال له مواليهم: إنهم ما جَاءُوا عندك رغبةً في الإِسلام، ولكن فِرَارًا مِنَّا.
ثم إن أَبا بَكْرَةَ غيرُ مُنْصَرِفٍ، كأبي هريرة، فإنه لمَّا جُعِلَ عَلَمًا لم يُلَاحَظْ فيه معنى الإِضافة، وصار كأنه لفظٌ واحدٌ، فلا يُلَاحَظُ فيه أن بَكْرَةَ كان ابنَهُ، فهو كأبي حَمْزَةَ، كنية أنس، وكان يجيء بتلك البَقْلَة، كذلك أبو بَكْرَةَ، سُمِّيَ به لكونه تسوَّر الحصن بالبَكْرَةِ. فتلك الأَعْلَامُ يُعَامَلُ معها، كأنها أعلامٌ من قبل، ولذا مُنِعَ صرفُها.
قوله:(مَنِ ادَّعَى إلى غَيْرِ أَبِيهِ) ... إلخ. وهذا تعريضٌ بالأمير معاوية، حيث كان يَدْعُو زيادًا أخاه، وكان مَقْذَفًا في الحروب، فكان الصحابةُ رضي الله تعالى عنهم يَدْعُونَهُ زياد ابن أبيه.
٤٣٢٨ - قوله:(رَدَّ البُشْرَى، فَاقْبَلَا أَنْتُما)، واعلم أن البِشَارَةَ كالأعيانِ المحسوسةِ، فإذا لم يَقْبَلْهَا الأعرابيُّ رُدَّت إلى الآخرين. فهي وإن كانت من المعاني الصِّرْفَةِ عندنا التي لا تَصْلُحُ للتحوُّل والانتقال، ولكنها من الأعيان عند صاحب النبوة، وأرباب الحقائق. وكذلك حالُ الأعمال في نظرِ الشَّرْعِ، فإنها تَتَجَسَّدُ، كالجواهر في المَحْشَرِ. وقد تحقَّق اليومَ: أنا لأصواتَ كلَّها منذ بَدْء الزمان موجودةٌ في الجو، ولم يَتَلَاشَ منها شيءٌ. ودَعْ عنك ما حقَّقه الفلاسفةُ، فإنهم يؤمنون بما ثَبَتَ عندهم من دلائلهم الفاسدة، وهم بالأدلَّة السماوية يَكْفُرُونَ. وعَلَيْكَ بالماء النمير، والصدق البحث الذي لا تَشُوبُهُ سَفْسَطَةٌ، ولا يأتيه الباطلُ من بين يديه، ولا من خلفه.
فالأعمالُ كلُّها تجيء في صورها - وسورة البقرة - وآل عمران - يتشكل بالظلة، أو كما أَخْبَرَ به الصادقُ المصدوقُ. وقد شَغَفَ الناسُ بالفلسفة دَهْرًا، ثم لم يَنْجَحُوا،