للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نزلت في واقعةِ زِنا يهوديَ (١)، ولَعلَّها في السَّنة الرابعة. ثُم قيل: إنَّ الذين جاءوه كانوا يهودَ فَدَك. وقيل: يهود خَيْبر، تشاوَرُوا فيما بينهم أَنْ يرفعوا أَمْرَه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم لِما كانوا يَرَوْن أَنَّ في دِينه اليُسْر، وكان ذلك مِن حَمقِهم، حيث أرادوا أن يسترخِصُوا برُخَص الدِّين، قبل أن يدخلُوا فيه، ولم يعلموا أنه يتولَّى قاره، مَنْ يتولَّى حاره.

٤٥٥٦ - قوله: (فرأَيْتُ صاحِبَها يَجْنأُ عَلَيْها) وغَرَضُ الراوي التنبيهُ على إصابةِ رأي النبيِّ صلى الله عليه وسلّم في حَقِّهم، فإِنَّ وقايَته لها عن الحجارة، وحنوه عليها، يدلُّ على صحة أَمْرِ الزِّنا. ثُم إنَّ في الحديثِ معركةً للقوم، وهي أنَّ الإِسلام شرط عند إمامِنا، فكيف رَجَم النبيُّ صلى الله عليه وسلّم اليهوديَّ واليهوديةَ، مع كونِهما كافرَين؟ وذهب الشافعيُّ


(١) نقل في "المعتصر" أولًا قِصَّة زِنا اليهودي واليهودية، وذكر أنَّ الرَّجل الذين جاؤوا به من عُلمائهم كان ابن صوريا، فذكر الحديث على خلاف ما في عامة الروايات شيئًا. ثُم قال: قيل: إنها مُحْكمة، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إنما رَجَم اليهوديَّ باختيارِه أن يَرجُمه، وكان له أَن لا يرجمه، لقوله: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} [النساء: ٦٣] وخالفهم آخرُون، فقالوا: هي منسوخة لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: ٤٩] رُوي عن ابن عباس، قال: نُسِخت من المائدة آيتانِ: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: ٤٢] فردهم إلى أحكامِهم، فنزلت {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} قال: فأَمَر رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أن يَحْكُم بينهم على كتابِنا، وحُكْم مَنْ بعده - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، كَحُكْم النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. فإن قلنا: بأنَّها منسوخةٌ، فالحُكْم بينهم مُفْتَرَضٌ واجِب، وإنْ لم نقل بذلك، فالحُكْم بينهم هو الأَوْلى مِن الإِعراض عنهم، لأنه إذا حَكَم بينهم، فقد سَلِم على القَوْلين، لأنه فَعَل الواجبَ، أو الجائز، وإنْ لم يحكم بينهم، فقد ترك فَرْضًا واجِبًا عليه، على أَحَد القوْلين، فالأوْلى به أن يَفْعل. وقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ} يحتمل معناه: إنْ تحاكَموا إليك، ويحتمل: إنْ وَقَفْت على ما يُوجب لك الحُكْم عليه، وإنْ لم يتحاكموا إليك. ثُم أَخْرج حديثًا يدلُّ على أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُحَاكِم بينهم من غير أنْ يتحاكَمُوا إليه. ثم قال: ومَنْ ذهب إلى تَرْكِ الرَّجْم في أَهْل الذمَّة، وهم أبو حنيفةَ، والثَّوْرِي، وزُفَر، وأبو يُوسُف، ومحمد رحمهم الله تعالى، قال: إنَّ الحُكْم فى التوراة الرَّجْم، أحصن، أو لم يُحصن، على ما يدل عليه ظاهِرُ الآثار، مِن غيرِ اشتراط الإِحصان، وكان ذلك قَبْل أن يُنزِل اللهُ تعالى في كتابه في حَدِّ الزِّنا ما أنزل من الإِمساك في البيوت، والإِيذاء، ثُم نسخه بما فى سُورةِ النُّور، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خُذُوا عنى، قد جعل اللهُ لهنَّ سبيلًا: البِكْر تُجْلد، وتُنْفى؛ والثَّيبُ تُجْلَد، وتُرجم"، فَبيَّن حَدَّ كلِّ صِنْف. وقال عبدُ الله بنُ عمر: مَنْ أَشرك بالله، فليس بِمُحْصن، بعد أنْ عَلِم بِرَجْم رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مَنْ كان رَجَمه مِن اليهود، وإذا لم يكونوا مُحْصَنين، لم يكونوا مَرْجُومين. وذكر عن مالك أنَّ النَّصْراني إذا أَسْلم، ثُم زَنَى، وهو متزوِّجٌ في النصرانيةِ، لا يكونُ مُحْصَنًا حتى يطأَ زَوْجته بعد الإِسلام، وإذا كان كذلك دلَّ على أنَّ مِن أسبابِ الإِحصان التي يجب بها الرَّجْمُ في الزنا الإِسلام. اهـ مختصرًا؛ وفيه رَوى ابنُ معقل بن مقرن سأله ابنُ مسعود فقال: أَمَتي زَنَت، قال: اجلدها خمسينَ، قال: إنها لم تُحْصَن، قال: أليستْ مُسْلِمة؟ قال: بلى، قال: فإِسلامُها إحصانُها، اهـ: قلتُ: ونحوه رُوي عن ابن مسعود في "مسند" الإِمام للخَوارِزْمي، وفيه عن إبراهيم، قال: لا يُحْصَن المسلمُ باليهوديةِ، ولا النصرانيةِ، ولا يُحْصن إلَّا بالمسلمة. اهـ: قال محمد: وبه نأخُذُ، وهو قولُ أبي حنيفةَ، وفيه عنه الذي يتزوَّج في الشِّرْك، ويدخُل بامرأته، ثم أسلم بعد ذلك، ثُم يَزْني، أنه لا يُرْجم حتى يُحْصَن بامرأةٍ مُسْلمةٍ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>