إلى أنَّ الكافر أيضًا يُرْجم، وفيه تفصيلُ عند المالكية؛ وبالجملة الحديثُ وارِدٌ على الحنفية.
ثُم إنَّ ابن أبي شَيْبَة أفرد كتابًا سَمَّاه «كتاب الردّ على أبي حنيفة» وعدَّد فيه مسائلَ الحنفيةِ التي تُناقِضُ الأحاديثَ عنده، وبلغ عددُها زهاءَ مئة وأربعة، وبدأ كتابه بهذا الحديث. والعجب أنه لم يَعُدَّ فيه مسألةَ الجهر بآمين، والإِخفاء، وتَرْك الرَّفْع، ولا مسألةَ تَرْك الفاتحةِ خَلفَ الإِمام. وقد أجاب العلامةُ القاسم بنُ قُطْلُوبغا عن كتابه، ولكنه مفقود، لا يوجد ثُمَّ إنَّ الطحاوي أجاب عن حديثِ الباب، وأصاب. وحاصله أنَّ شَرْط الإِحصان في شَرْعنا نَزَل بعد هذه القضيةِ، فالقضايا التي كانت قَبْلها لا ترد عليها، وكان رَجْمُه إذ ذاك بِحُكْم التوراة. ولم يكن فيه شَرْطُ الإِحصان.
قلتُ: ويُعلم من «فتح الباري» أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان يعملُ بشريعةِ التوراةِ، فيما لم ينزل فيه شَرْعُه قَبْل الفَتْح، ثُم خالف بعده. وإنما أخذت هذا التاريخ من «فتح الباري»، وإلَّا فأَصْل الحديث موجودٌ في البخاري أيضًا. ثُم هل يسمَّى ذلك عَملًا بالشريعة الموسوية، أَم عملًا بشريعتِه؟ فهذان اعتباران. فإن قلت: إنَّه إذا عَمِل به فقد صارت شريعتُه أيضًا، فيكون عَملًا بشريعةِ نفسه، وإن اعتبرت أنَّ شَرْعه لما لم ينزل فيه بعد، وإنما عَمِل بالشريعةِ الموسوية، يقال: إنَّه عَمِل بشريعتهم، ولا حَجْر في كلا الاعتبارين، والأَمْرُ فيه سَهْلٌ.
واعلم أنَّ القرآن قد هَدي في تلك الآياتِ إلى أَمْرٍ هامّ، كادَت نَفْس النبيِّ أنْ تتردَّد فيه، وهو أنَّ الكفَّار إنْ ترافعوا إليه في أمْر، فماذا ينبغي له أنْ يفعل؟ إما أن يَحْكم بشريعته، فهم لا يلتزمُونَها، أو يُعْرِض عنهم، ولا يَحْكُم بشيءٍ، فذلك أيضًا غيرُ مناسِبٍ، وإمَّا أن يَحْكُم بِشَرْعهم، فهو أيضًا مَحَلُّ تردُّد، فعلَّمه القرآنُ أَنَّك بين خِيرَتَيْن: إنْ شِئت أنْ تُعْرض عنهم فأَعْرض، وإنْ أردت أن تَحْكُم بينهم فاحكم بما عندك، فإِن عَمِلوا به فبها، وإلَّا فالإِثْمُ عليهم.
ولنا أنْ نقولَ: إنَّ في إلزامِ شَرْعهم عليهم، وإغرائهم على العملِ به، إجراءَ شَرْعٍ سماويَ، وهو أَوْلى مِن إفناء حَقَ وإعدامه. ولذا لما جاءوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم ألزمهم بالتوراةِ، فاضطروا إلى العَمَلِ به، ولا رَيْب في أنه أَوْلى من أن لا يعملوا بِشَرْعهم، ولا بِشَرْعه صلى الله عليه وسلّم فإِنَّ شَرْعهم أيضًا حقٌّ في الجملة، وإنْ نُسِخه بعد نزول شَرْعنا. وهذا إنْ سلَّمناه أنَّ القضية بعد نُزول شَرْعنا، وإلَّا فالأَمْر أَظْهر. ولذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم بعد الرجم: إنِّي أَحْييت حُكْمًا من الشريعة الموسوية (١)، على أنَّ اليهودِيَّيْن كانا مُحْصَنَينِ بِحُكْم
(١) يقول العبد الضعيف: ولَفْظه في "الفتح" زاد في حديث أبي هريرة: فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فإنِّي أَحْكُم بما في =