وإلقاءُ الشيطانِ فيها يكون بما يلقيه في قلوب أُمَّة الدعوةِ من الوساوس الموجِبة لكُفْر بَعْضِهم، وَيرْحَم الله المؤمنين، فينسخ ذلك مِن قُلُوبهم، ويَحْكِمُ فيها الآياتِ الدَّالة على الوَحْدانية والرِّسالة؛ وُيبقي ذلك عزّ وجلَّ في قلوبِ المنافقين والكافرين، لَيِفْتَتِنوا به، فخرج من هذا أنَّ الوساوس تُلْقى أوّلًا في قلوب الفَرِيقين معًا، غير أنها لا تَدوم على المؤمنين، وتدوم على الكافِرين. اهـ. وقال الشاه عبد القادر في "فوائده" ما تَعريبُهُ: إنَّ النبيَّ له حُكم من اللهِ تعالى، وذلك لا تَفَاوتَ فيه، وحُكم يكون من حديثِ نَفْسه، ويتمناه هو مِن عنده، وذلك الذي قد يتخلَّف عن الواقع، وقد يكون مُطابِقًا له: أما الأَوّل: فالخلافُ فيه مُستَحِيل، وذلك كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رؤيا، فذهب وَهلُه إلى أنه داخِل مَكَّة عامئذٍ، فجاء تأويلُه في العام القابل، وكما أنَّ اللهَ تعالى وَعَده بالنَّصر والغَلَبة على الكُفّار، فذهب وَهْلُه إلى أنه في هذه الحَرب، فالله سبحانه وتعالى يُعَلم نَبِيَّه أنَّ القَدْر الذي كان مِن حُكْم اللهِ لم يتخلَّف عن الواقِع، ولا يتجاوَزُ الواقعَ عنه، والذي تمنَّاه وكانت أُمنيته، فقد يكون في الخارج أيضًا - كما تمنَّاه - وقد لا يكون. اهـ. وقد كُنتْ مُضطَّربًا في تفسير تلك الآية لما رأيْتُ أنَّ كثيرًا من الأغمار يتعلَّقون بها، فما كُنتُ أَجِد لهم جوابًا شافيًا، فإِنَّ وَضع الأشياء على مَحالها لا يمكن إلَّا مِمَّن يُرْزق قَلبًا سليمًا، فسألت الشيخ عن وَجهِها، فدلني على كتاب "الإِبريز" هذا، فإِذا طالعتُه فَرج عني هَمي، وزال قَلَقي، والحمد لله، ولقد راجعت ما أجاب به القومُ أيضًا، إلا أني ما استملحت غيره، فالجواب هو الجواب، فإن ذُقْته أيضًا فأجزني وصِلني بدعوةٍ صالحة، والله تعالى أعلم بحقائقِ الأمور.