نَقَل قِصَّة الغرانيق تحت هذه الآية، وقد تَكَلَّمنا على تلك القِصَّة مَبْسوطًا في أبواب سجودِ القرآن، أما وَجْه الآيةِ، فأَقُول: إنَّ تمني الأنبياءِ عليهم السلام عبارةٌ عما تتحدَّثُ به أنْفُسهم في حَقِّ إيمانِ أُممهم، أنهم لو آمنوا كلّهم، وإلقاءَ الشيطان فيها عبارةٌ عن إغوائه إياهم، وصَدِّهم عن سبيلِ الإِيمان، فلا يؤمنون حسب أُمْنِيتهم، وهذه محاوَرةٌ بليغَةٌ، يقال: فلان أَلقى في أُمنيتي، أي حال بيني وبينها، ثم اللَّهُ يَفْعل فيهم ما هو فاعل، فيؤمِنُ مَنْ قُدِّر لهم الإِيمانُ، ولا ينجحُ فيهم اللَّعِين. وأما مَن قُدِّرت له الشقاوةُ فيتبعونه فيكفرون، وهو معنى قوله:{فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ}[الحج: ٥٢].
قوله:(بِسَبَب) والسَّبَبُ هو الحَبْلُ المتدلِّي، ومنه استُعْمِل للمعنى المعروف.
قوله:(تَذْهَلُ) فَيَذْهَلْ الخليلُ عن خَلِيله عِنْد نَفْخ الصُّور، ولا يلتفِت أَحَدُ إلى أَحَدٍ.
٤٧٤١ - قوله:(فَيُنَادَى بصَوْتٍ) ثَبَت منه الصَّوْتُ.
٤٧٤١ - قوله:(وما بَعْثُ النارِ؟ قال:[مِن] كُلِّ أَلْفٍ - أراه قال - تسع مئة، وتسعة وتسعين) ... إلخ. واعلم أنَّ الرواياتِ مختلِفَةٌ في بيان نِسْبة المُسْلمين، وبَعْث النار. ففي رواية، كما عند البخاري، وفي أُخرى نسبة المئة من تسعةٍ وتسعين، والتوفيقُ بينهما أن النِّسبة في تلك الروايةِ هي ما بين الكفّار والمسلمين. وأما ما عند البخاري، فهي بعد ضَمّ يأجوج ومأجوج معهم، ويَشْهد له ما عند الترمذي في التفسير: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم ذكر لهم الحديثَ على نحو ما عند البخاري، ثُم قال:«إنَّكم لمع خليقتين، ما كانتا مع شيءٍ إلَّا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، ومَنْ مات من بني آدم، وبني إبليس» اهـ. فدلَّ على أنَّ النِّسبة المذكورةَ بعد انضمام قومٍ يأجوج ومأجوج مع الكفّار.
قوله:(فحينئذٍ تَضَعُ الحامِل حَمْلَها) ... إلخ. فإِن قلت: وحينئذٍ تلك الأهوالُ والأحوال تكون في المَحْشر مع أنه ليست هناك حاملة، ولا مُرْضِعة؛ قلتُ: لا ريبَ أنَّ صَدْر الآية في الأهوال عند النفخ، لكن القيامةَ في عُرْف الشَّرْع تطلق من نَفْخ الصُّور إلى دُخول الجنةِ، فكانت صدر الآية في المبادىء، وإنَّما قُرئت في القيامة جَرْيًا على هذا العُرْف، فلا يلزم وجودُها في المحشر.
قوله:(إنِّي لأَرجو أن تكونوا رُبُعَ أهلِ الجَنَّة. فكبَّرنا، ثُم قال: ثُلُثَ أَهْل الجنَّة. فكبَّرنا، ثُم قال: شَطْرَ أهْل الجنَّة، فكبرنا) قلتُ: وهذا نظيرُ قِصَّة المعراج في تخفيف الصلاة، فإِنه لا نَسْخ فِيها أصلًا، ولكنه إلقاءٌ للمرادِ على المخاطَب نَجْمًا نَجْمًا، كما فعل النبيُّ صلى الله عليه وسلّم ههنا. وذلك كما ترى أَوْقَعُ عند النَّفْس، وأَطْيبُ لها من إلقائه دُفْعةً واحدة، وقد بسطناه من قبل.