لشاهدوه أيضًا، ولكنهم كفروا بآيات الله، واتبعوا أهواءهم، فهم اليوم في الوَيْل والثُّبور.
ثُم إنَّ أَهْلَ الفلسفةِ الجديدة زعموا أن للشمس حركةً أُخْرى، وهي أنها مع نظامها ذاهبةٌ إلى جهةِ الفَوْق، ولكنها لم تتحقَّق عندهم بعد. وأما الأُولى - وهي الحركة المحورية - فقد اتفقوا عليها.
قلتُ: والذي لا نَشُكّ فيه أن الشمسَ في مشاهدتنا هي المتحركة، أما إن تلك المشاهدة لأجل حركة الأرض لشيء آخَر، فلا نبحثُ عنه الآن، ولكنا نتكلم أَوّلًا على أن الذي ثبت في مشاهدة ومضت لهم على تلك دهور، حتى إنه لم يبق منهم أَحَدٌ إلاّ وهو يَزْعم أن الشمس متحرِّكة، وأُشربت به قلوبهم، ورسخ في بواطنهم، فهل يناسب للشَّرْع أن ينقض مشاهدَتهمن تلك عند المخاطبة معهم، أو يجاري معهم، كأنَّ ما عندهم أيضًا نَحْوٌ من نفس الأمر. فلو كان هناك هَيِّن لَيِّنٌ، لقلت له: إنَّ الأصوب هو المماشاة معهم، وعدم النقض لمشاهدتهم، وفرضها أيضًا نحوًا من نفس الأمر، لأنه لو كان الشرعُ بنى كلامه في الكونيات على الواقع حقيقة، لبقي القرآنُ مكذَّبًا عندهم، إلى أن يظهر لهم الواقع أيضًا، كما هو عنده، كمسألة الحركةِ هذه، فإِنه لو كان القرآنُ صَدَع بحركة الأَرض مثلًا، لبقي مكذَّبًا فيمن مضوا من الفلاسفة، لعدم ثبوتِها عندهم وإنْ صَدَّقه الناسُ اليوم، وكذلك لو صَرَّح بحركة الفلك لصدَّقه القدماء ألبتة، ولكن صار اليوم مُكَذّبًا، لا يعتقد به أحدٌ لثبوتها عندهم بخلافه، فأغمض القرآنُ عن نحو تلك الكونياتِ التي لا يتعلق له بها غرض في أعمالنا، ليسوِّي أَمْره عند هؤلاء، ولا تحول تلك المباحث بينه وبين إيمانهم، ولَعَمْري هذا هو الأحسن.
وإذَن تحصَّل أن تلك المشاهدةَ الدائمةَ أيضًا نحوٌ من نفس الأمر، ألا ترى أنَّ المُبْصَرَات عندهم عُدَّت من البديهياتِ، مع أن البَاصِرة تَغْلَطُ كثيرًا، فإِن أثبتوا اليوم غلطًا في البصر، وأن المتحرِّكة في الواقع هي الأرض، فأي شيء سَوَّوه، فإنه أَمْرٌ ثابت عند القدماء أيضًا، فأَنْصف من نفسك؛ أنه هل يناسِب للنبيِّ أن يقع في تلك المهملات، أو يُعْرِض عنها، ويفرض ما عندهم أيضًا نحوًا من نفس الأمر فَدَع عنك أن الشمسَ متحرِّكة، أو الأرض، وخذ بما في مشاهدتك، فإِنَّ مِن حُسْن إسلامِ المرءِ تَرْكُه ما لا يعنيه. ألا ترى أنَّ الوَزْن والمِقْدَار لم تبق له اليومَ حقيقةٌ، فإِنَّ الشيء الواحد يختلفُ خِفَّةً وثِقَلًا باعتبار وَزْنه على الأرض، وفي الهواء، وفوق ذلك، ثم فوق ذلك، فإنه كلما يَبْعُد عن مركزه، يزداد ثِقَلًا، لِشِدَّة انجدابه إلى مركزه، وكلما يَقْرب منه يزيد خِفَّةً.
وكذلك القَدْر أيضًا بقي مُهْملًا لا ندري ما هو؟ فإِنا نرى شيئًا صغيرًا بالآلات، كأنه أعظمُ مِن أعظمَ منه بألفِ مَرّةٍ، فنشاهد الصغيرَ كبيرًا، والبعيدَ قريبًا، فأي شيءٍ بقي الوَزْن والقَدْر، وقد حَقَّق الأَوّلون أن المرئي هو اللون دون الجسد، فكما أنك جاعِلٌ نحوًا من