نفس الأمر لهذه الأشياء لا محالة، مع عدم تقررها على أمرٍ كذلك، فافرض في أَمْر الحركة أيضًا. فلتكن مشاهدَتُكَ هي نَفْس الأَمْر لها.
وبالجملةِ إذًا لم ندركِ الحقيقةَ في شيء، ولكن ما ثبت عندنا هو الذي فرضناه حقيقةً، فتارة تلك، وتارة تلك، فلا ندري ماذا يكشف من العجائب والحقائق، يوم يكونُ البصرُ حديدًا. وكم من أشياء تَظْهَر صوابًا، وكم منها تبقى غَلَطًا، فلنفوِّض الآن حقائقَ الأشياء إلى الله تعالى، وأُفوِّض أمري إلى الله، إن الله بصيرٌ بالعباد.
وأما اليوم، فلنقل: إن الهَيْآت التي يشاهِدُها العوامُّ من الطلوع والغروب، والاستواء والجري، كلُّها في نفس الأمر، فإِنهم قد وضعوا لتلك الهَيآتِ أسامي مختلفةً، فإِما أن نسلم أساميهم تلك، أو نردّها عليهم، ولا يكون إلا زيغًا، وتلك الهيئةُ المشهورةُ اعتبر بها الشاعر في قوله:
*"كردون بشتى كه خم شده ازبهر ركوع ... خورشيد رخى كه سر بسجود است اينجا"
فقد شاهد هذا الشاعر من الشمس ثلاث هيآت: هيئة العقدة، وتلك عند طلوعها؛ وهيئة القيام، وهي عند الاستواء، ولذا يقال لها: قائمُ الظهيرة؛ وهيئة السجود، وتلك عند الغروب. وقد أحسن فيه، فإِنَّ ما كان في مشاهدتنا، وبين أعيُنِنا كيف نَهْدِرُها ولا نعتبِر بها، فهكذا ما نشاهد من مَشْيها من الشرق إلى الغرب، سماه أهل العُرْف جَرْيًا، أعني أنهم لا يبحثون عن جريها في حاق الواقع، فليكن في الخارج ما كان، ولكن البحث أن تلك الهيئةَ المشهورةَ المبصرة، هل نعتبر بها في مرتبة أَم لا؟ فاعتبره أَهْلُ العُرْف، وسَمّوه جَرْيًا وحركة لها، وإذن لا تكون حركتها عبارةً إلا عن تلك الهيئةِ المشهودة، لا بالمعنى الذي قال به الفلاسفة.
وإذَن البحثُ في أن القوة المحرِّكة، هل هي في الشمس أو الأرض، صار لغوًا، فلتكن أينما كانت، لا نبحث عنها، ولكنا نسمي تلك الهيآت البديهية الثابتة، عند البُلْه، والصِّبيان، والمجانين بأساميها المعروفة عند العوام، فنقول: طلعت الشمسُ، وقامت، وغربت، والشرع أضاف على هذه الثلاثِ رابعًا، وهي السجود، ولا ريبَ أنَّ تلك الهيئةَ قائمةٌ مدى الدَّهر، سواء كانت الشمسُ متحرِّكةً أو الأرض، ومن هذا الباب سجودُ الظلال في القرآن، فإِنه سَمَّى هيئةَ كونِها ملقاةً على الأرض، بسجودها، وتلك محسوسةٌ مَنْ يُنْكرها، فهي سجودُها؛ وبالجملة العبرةُ بالمشاهدة، وعَدُّها أيضًا نحوًا من الواقع هو الأصلحُ للنَّاس، لا نقضُها رعايةً للمتفلسفين والزائغين.
هذا ما لدي ما فيه من الرأي، وهو المرادُ مما قاله البيضاوي، ولا يَبْعُد أن يكون صوابًا أن مستقرَّها يوم القيامة، فلا تزال تجري إلى أن تستقرَّ، وذلك حين يريدُ اللهُ سبحانه أن يستأصل عمارةَ الدُّنيا، فيلقِيها في جهنَّم، ومَنْ لم يبلغ كُنْهه، جعله من زيغ فلسفته، وزعم أنه