وأَنَّ أمر الغَسْل هل يختصُ بنوم من الليل أو النهار أو يعمهما؟
وأن سببَ الغسل ما هو؟
وأن التثليثَ ضروريٌ أم لا؟
وأنه إن غمس يده فيه فهل يفسد الماء أم لا؟
فاعلم أن ابن رُشدٍ تكلم عليه أنَّه من أي البابين، أعني من باب الوضوء أو المياه، فإِن كان من مسائل المياه كان محطُّه صيانةَ الماء لا غير، وهو أولى عندي، بقي الغَسْل قبل الوضوء فيكون من باب الأولى، لأن صيانةَ الماءِ إذا كان مطلوبًا في كل حالٍ كان للوضوء بالأولى، فالحديث وإن كان من باب المياه إلا أنه ينجرُّ حكمه إلى باب الوضوء أيضًا. ولا تناقض بين النظرين.
والحديثُ ناظرٌ إلى النجاسات الموهومةِ وأنَّ لها أحكام التطهير، ولذا أَمَرَهُ أن يغسل يده قبل إدخالها في الإِناء. ثم إنه لو غَمَسَهَا فيه بدون الغَسْل لا يفسدُ الماء، بشرط أن لم يكن على يده أثر نجاسة. نعم، كُرِه تنزيهًا، وهي الضابطة عندنا في النجاسات الموهومةِ كسؤور الدجاجة المُخَلاة إلا ما في «المنية». وأمرُ التثليث عندنا في النجاسات الغير المرئية خاصةً لحصولِ غلبةِ الظن بعده بالتطهيرِ. وهذا الحديث وأمثاله هو المتمسك في هذا الباب، وعند الترمذي:«فلا يْدُخِلْ يده في الإِناء حتى يُفرِغَ عليها مرتين أو ثلاثًا». وإنما وسَّع في الحكم ولم يؤكد لكون السبب أي وجودِ النجاسة محتمَلًا أيضًا، فحَكَم بقدر سببه.
والحديث حجةً لنا في مسائل المياه وها أنا أذكر مسألةَ المياه بقدْر الضرورة، وقد ذكرته تفصيلًا في درس «جامع الترمذي»، فاعلم: أن الماء يتنجسُ بالتغيُّرِ إجماعًا، وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى بدون فصل بين القليل والكثير، وعنه روايات أخرى. وعند الشافعي رحمه الله تعالى: إذا بلغ الماءُ قلتين لم يحمل الخبث وإلا تنجَّس، وهو الفاصل عنده بين القليل والكثير. وعندنا الأمر مفوض إلى رأي المُبْتَلى به، فإِن رأى أنَّ النجاسةَ وقعت في جانبٍ وخَلَصَ أثرها إلى جانب آخر فهو قليل، وإلا فهو كثير في حكم الجاري. وبعبارة أخرى: أنَّ الماء إذا كان جاريًا أو في حكم الجاري فهو كثير وما وراءه فقليل. واختلفت الروايات عن أحمد رحمه الله تعالى.
والحاصل: أن الموقَّت والمحددَ في الباب ليس إلا الشافعية، فإنَّ المحدِدَ من لا يحكم بمقدار العِلَّة وهم الشافعية، فإنَّهم قالوا: إنَّ الماء إذا كان ما دون القلتين ولو بدرهم تنجَّس بقليل والنجاسة وكثيرها، وإن كان قُلتين لا يتنجَّسُ ولو بِرَطل منها، وهذا هو غايةُ التحديد حتى أنهم قالوا: إنَّ النجاسة إذا أُخرجت من قلتي الماء ولم يبق أَثرُها فالمطروحُ نجسٌ والباقي طاهر. وأعجب منه ما رأيت في كلمات بعضهم: أنَّ ما دون القلتين يتنجس وإن كان الماء