ومن ههنا تبين معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - في المشكاة في "حديث الكهانة" قال: قلت: كنا نتطير قال: ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدقكم. فوجدناهم الشيء في أنفسهم لم يعد مخالفًا لإيمانهم. وإنما يخالفه انبساطه والعمل عليه. وبه ينحل ما أشكل على الناس في حديث الوسوسة عند مسلم فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم قال أو قد وجدتموه؟ قال نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. فوجدان الشيء من آثار الغيب والتعاظم. بتكلمة عين الإيمان ولكن في وساوس ووساوس فرقًا فلا تستحمق ووسوسة كل على حدة، فلا تختلط بين الناس والناس، فإن من عباد الله حسناتهم سيئات المقربين. وجملة الأمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشك ولكنه عراه من الشدة وغيرها ما لو عرا أحدًا لمات فرقًا فإن عطايا الملك لا يحملها إلا مطاياه. ألا ترى أن الله سبحانه لما تجلى للجبل جعله دكًا بخلاف موسى فإنه لم تأخذه إلا غشية ثم لو فرضنا أنه كان بقي في نفسه ما يبقى في المغيبات لما ضر أيضًا ولما ناقض إيمانه وإذعانه كما مر وحمل الألفاظ الواردة في هذا الباب على غير هذا مشى على خلاف المراد وتأسيس لدين دانه ثمود وعاد فإلى الله المشتكى ومنه المبدأ وإليه المعاد ولما زورت تلك المقالة في نفسي إرغامًا، لبعض الملحدين طلبت لها نقلًا عن أحد قبلي فلم أجده حتى إذا أتممتها فوجدت أن الشيخ السنوسي رحمه الله أشار إلى بعضها في شرح مسلم وهو ما ذكرناه في حكمة بلوغ هذا الجزء من جهة خديجة رضي الله تعالى عنها قال السنوسي في حكمة ما اتفق له في نداء القصة أن يكون سببًا في انتشار خبر في بطانته ومن يستمع لقوله ويصغي إليه وطريقًا في معرفتهم مبائنة، ومن سواه في أحواله لينبهوا على محله فلله الحمد وإنما طولت الكلام فيه ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وقد كنت أسمع نحوه من شيخي رضي الله تعالى عنه فما ذكرته لدقته وتعاليه عن إفهام الناس وخفت أن لا يكتنه كنهه جاهل ثم يكب في هوة من النار فإن لكل إنسان لمة لا يوعده إلا بالشر وإنما كتبت هذه السطور لإرغام بعض الجهلاء فإن طابق لما حققه العلماء فيها وإن خالفهم ولو جناح بعوضة فالطرب على الجدار أولى فإني مع الجماعة. ومن شذ شذ في النار.