للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شَرَعَ في النواقض ووافق فيها أبا حنيفة رحمه الله تعالى في مسِّ الذكر والمرأة ولم يَرَ بهما وضوءًا. ووافق الشافعي رحمه الله تعالى في الخارج من غير السبيلين فلم يره ناقضًا. ثم أَخَرَج آثارًا عديدةً ولا علينا أن لا نلتفتَ إلى جوابها، لأن جوابَ الآثارِ أن يُؤتى بآثار أخرى تعارضها ولكنَّا نُجيبُ بخصوصها إن شاء الله تعالى. فلنتكلم أوّلًا على آية الوضوء يسيرًا ثم لنعرَّج إلى جواب الآثار.

فاعلم أنه يشكلُ على تكرارِ الآية الواحدة كآية الوضوء في المائدة والنساء، فإِنَّه لا فرقَ بينهما إلا بلفظ منه في المائدة. ولا أجد التكرار مثله في باب الأحكام. نعم، قد يوجدُ في القصص لمقاصد ومعاني ذكرها المفسرون، مع أنه راعى فيها التفنن أيضًا.

والذي تحصل لي في دَفْعِه: أن آية المائدة إنما نزلت لتعليم الوضوء عند القيام إلى الصلاة، كما مرَّ أنَّ المطلوبَ في شريعتنا هو الوضوءُ لكل صلاة وإن كان فرضًا بعد الحدث، وللتيمم عند فَقْدِ الماء. وآيةُ النساء نزلت لتعليم التيمم من الجنابة عند فَقْدِ الماء. ثم لمَّا كان التيمم من الحدث الأصغر والأكبر سواءٌ، جاء الاشتراكُ فب بعض الأشياء، وإلا فالآية الأولى سِيْقت لبيان حكم الحدثِ الأصغر، والثانية لبيان الحدث الأكبر، وانجرَّ في ذيلهما ذكر بعض أشياء تبعًا، وحينئذ لم يبق في التكرار قلق. وسيأتي بعض الكلام في باب التيمم.

ثم اعلم أنَّ الآية عند الشافعي رحمه الله تعالى أقامت أصلين في النواقض:

الأول: الخارج من السبيلين، وهو المُشار إليه بقوله: {أو جاء أحدٌ من الغَائِط} [المائدة: ٦] فنقَّح مناطه وقال: إنه الخروج من السبيلين.

والثاني: مسُّ المرأة وأَلحقَ به مسَّ الذكر أيضًا لكونهما من باب الشهوة.

وعند الحنفية المراد من المُلامسة هو الجماع، كما ذَهَب إليه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعلي رضي الله تعالى عنه وغيرهما، واختَارَه البخاري وصرَّح به في التفسير، ولذا لم يُوجب من مسِّ المرأة والذكر وضوءًا. فالأصلُ عندنا واحدٌ، فإِنَّا فتشنا المناط في قوله: {أو جَاءَ منْكم أحدٌ من الغَائِطِ} فوجدنا المعنى المؤثرَ فيه خروجُ النَّجَاسة، ولم نجدْ للسبيلين أو غيرهما تأثيرًا. وإذا علمنا أنَّه المؤثرُ في زوال الطهارة أدرنا الحكمَ عليه. وقلنا: إن الخارجَ النجسَ ناقضٌ مطلقًا.

وبالجملة حمل الشافعي رحمه الله تعالى الملامسةَ على مسِّ المرأة، فَكَان المسُّ عنده ناقضًا بالنص وأَلحقَ مسَّ الذكر من الحدث. ونحن جعلنا الخارجَ من السبيلين ناقضًا بالنص وألحقنا به الخارجَ من غير السبيلين بالحديث. غير أنَّ الثاني أخف عندي بالنسبة إلى النوع الأول وإن لم يصرح به فقهاؤنا. وذلك لما ثبت عندي اختلاف المراتب تحت شيء واحد وسنقرره عن قريب.

ومذهب الحنفية قوي. إنْ شاء الله تعالى - دِرَاية، ورواية. ويشهد له ما أخرج الترمذيُّ من حديث نقض الوضوء من القيء وسكت عليه، وصححه ابن مَنْده الأصْبَهاني، وأوَّله الشافعي رحمه الله تعالى وقال: إن المرادَ من الوضوء غَسْل الفم، وهو كما ترى. ثم قال الترمذي: وقد

<<  <  ج: ص:  >  >>