للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رأى غير واحدٍ من أهلِ العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم وغيرهم من التابعين الوضوءَ من القيء والرُّعَاف، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرُّعاف وضوء، وهو قول مالك والشافعي رحمهما الله تعالى انتهى.

وقال الخَطَّابي في «معالم السنن»: قال أكثر الفقهاء: سيلان الدم من غير السبيلين ينقض الوضوء. وهذا أحوط المذهبين وبه أقول اهـ. فعُلِم أن مذهبَ الحنفية هو ما اختاره أكثر أصحابه صلى الله عليه وسلّم ولا حاجة لنا بعد ذلك إلى تَجَشُّم استدلال.

ولكِنَّا نقول: إنَّ لنا ما أخرجه الحافظ الزَّيْلَعي من «كامل بن عَدي»: «الوضوء من كل دم سائل». إلا أن في النسخة سهوًا من الكاتب فكتب: محمد بن سليمان وهو غير معروف، وبعد التصحيح هو: عمر بن سليمان وقد حررته في محله. وفيه أحمد بن الفرج وقد أخرج عنه أبو عَوَانة في «صحيحه» فصار الحديث قويًا.

وكذلك حديث آخر في البناء رواه ابن ماجه والدارقطني: «من أصابه قيء أو رُعَاف أو مَذْي فلينصرف وليتوضأ، ثم لْيبْنِ على صلاته» ... إلخ والأصحُّ عندي أنه مرسل وإن تعقب عليه المارديني، ومالَ إلى رفْعِهِ، وفي التخريج للزيلعي أنَّه صحيح، ولعلَّه سهو من الكاتب، لأنَّ نسخته مملوءة من الأغلاط، فكان في الأصل غير صحيح فحرَّفه، لأن الأصح هو الإِرسال. والمرسلُ حجةٌ عند الأكثر سيما إذا التحق به فتاوى الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كما في الزُّرْقَانِي وظَهَر به العمل.

ثم الأظهر عندي: أَنْ يُرادَ من الملامسة المباشرةُ الفاحشة، فيدخلُ فيها الجماع، بل لفظ الملامسةِ أصدقُ على المباشرة مما قالوه. وحينئذٍ صارت الملامسةُ أيضًا أصلًا مستقلًا، كالخروج من السبيلين، فإِن الغُسْل بالجماع لا ينوط بالإنزال، فلا يقال: إن الجماع ليس أصلًا مستقلًا، بل هو داخلٌ تحت الخارج من السبيلين.

وعلى هذا التقرير لا يردُ ما أورده الشيخ ابن الهُمَام على مذهب الشيخين: أنهما قالا: إنَّ المباشرةَ الفاحشة ناقضة مطلقًا، سواء خرج منه شيءٌ أو لا، وعللوه أنَّ المباشرة الفاحشة لمَّا لم تخلُ عن خُروج شيء في غالب الأحوال أُقيم غلبة الظنِّ فيها مُقَام خروجه، فقال الشيخ رحمه الله تعالى: إنَّ هذا الاعتبار إنَّما يناسب فيما لا يمكنُ إليه النَّظر بالحس، وههنا أمكن تحقيقهُ بالمشاهدة، فينبغي أن يُدارَ الحكمُ على حقيقة الخروج كما ذهب إليه محمد رحمه الله تعالى.

قلت: والراجح عندي مذهب الشيخين، لأن نقضَ الوضوء من المباشرة الفاحشة ليس لِمَا فَهموه، فإنه يرجعُ حينئذ إلى الأصل الأول، بل هي داخلة عندي تحت الأصل الثاني، فهي من جُزْئيات المُلامَسَة.

ثم اعلم أني أردتُ من المُلامَسة: الجماعَ، والمباشرةَ، الفاحشة كليهما، على طريقِ إِطلاقِ الشيء وإرادة بعض ما صدقاته وبعضُ مراتبه. فالجماعُ من أعلى مراتبه، والمباشرةُ من أدناه وأخذُ جميع المراتب غير لازم، ليقال: إِنَّه يلزم عليه كونُ مس المرأة أيضًا ناقضًا، لأنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>