٦٥٠١ - قوله:(فاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ) أي ساءهم ذلك، وتفجَّروا في أنفسهم، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلّم «فقيهٌ واحدٌ أشدُّ على الشيطان» ... إلخ، أي إنَّ الشيطانَ يَسُوؤه وجودَ فقيهٍ واحدٍ. وليس معنى شدته عليه غلبتَه عليه، كما زُعِمَ.
٦٥٠٢ - قوله:(مَنْ عَادَى لي وَلِيًّا) وإنَّما قال: «من عادى لي»، ولم يَقُل:«وليًا لي»، تفخيمًا لشأن العداوة، لأنَّ في الأوَّل إيذانًا بأن عداوةَ وليَ كأنَّها عداوةُ الله تعالى، بخلاف الثاني.
قوله:(وما يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بالنَّوَافِلِ) ... إلخ. وههنا بحثٌ للصوفية في فضل القُرْب بالنوافل، والقُرْب بالفرائض. فقالوا: إن العبدَ في القُرْبِ الأوَّل يصيرُ جارحةً جلَّ مجده، والله سبحانه نفسه يكون جاريحةً لعبده في القُرْبِ الثاني. وذلك لأنَّ الفرائضَ مفروضةٌ من الله تعالى على عباده، وليس لهم بُدٌّ من الإِتيان بها، فكانوا فيها كالجارحة للرجل. وأمَّا النوافلُ، فالعبدُ يأتي بها بطوعها، من دون عزمٍ عليه، فإذا تقرَّب بها إلى الله تعالى كان اللهُ له كالجارحة.
قلتُ: أمَّا كونُ الله تعالى جارحةً للعبد في القرب بالنوافل، فذلك نصُّ الحديث. وأمَّا ما ذكروه في القرب بالفرائض، فلا لفظَ له في الحديث، إلَّا أنَّهم أخذوه بالمقابلة. والذي تبيَّن لي أن القربَ في الفرائض أَزْيَدُ وأكملُ، فإنه يَجْلِبُ المحبوبيةَ له تعالى من أوَّل الأمر. بخلاف القُرْب في النوافل، فإنها تَجْلِبُ المحبوبيةَ تدريجًا، وإن كانت ثمرتُها في الانتهاء أيضًا هي المحبوبيةُ. ولكن ما يَحْصُلُ من النوافل آخرًا يَحْصُلُ من الفرائضِ أوَّلًا، فأنَّى يستويان وإليه تُرْشِدُ ألفاظُ الحديث، فإنَّه قال في الفرائض:«ما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أَحَبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه»، فجعل مفروضَه أحبَّ إليه من أوَّل الأمر، وجعل ثمرتَه القربَ. بخلاف النوافل، فإنَّ القُرْبَ منها تدريجيٌّ، يتدرَّجُ العبدُ إليه شيئًا فشيئًا. وبالجملةِ أنَّهما في النتيجة سواء، وهي المحبوبيةُ، غير أنَّها تْحْصُلُ بالفرائض أوَّلًا، وبالنوافل ثانيًا.
قوله:(كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ) ومرَّ عليه الذهبيُّ في «الميزان»، وقال: لولا هيبةُ الجامع لقلتُ فيه: سبحان الله. وكان الذهبيُّ لم يتعلَّم علمَ المنطق.
قلتُ: إذا صَحَّ الحديثُ، فَلْيَضَعْهُ على الرأس والعين، وإذا تعالى شيءٌ منه عن الفهم، فَلْيَكِلْهُ إلى أصحابه، وليس سبيلُه ىٌّ يُجَرِّحَ فيه.