وهذا بابٌ يُعرَفُ به كثيرٌ من وجوه المتشابهات. ولا يَجُوزُ لأحدٍ أن يَتَعَاطَى هذا النوعَ في كلامه، ويتَّسِعَ فيه إلَّا للنبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّه يجُوزُ له ما لا يَجُوزُ لغيره، لبراءة نطقه عن الهَذي، ولأنَّه لا يُقْدِمُ على ذلك إلَّا بإذنٍ من الله، وهذه رتبةٌ لا تنبغي إلَّا له - صلى الله عليه وسلم - اهـ. قلتُ: وهذا أحدُ الوجهين للشيخ في تأويل المتشابهات. ولَعَمرِي إنَّه لَوَجهٌ يَكشِفُ عن وجوهِ كثيرٍ من المتشابهات، وتَطْمَئِنُّ به القلوبُ، وتَنشَطُ به الآذانُ، والأذهانُ. والوجهُ الآخرُ له: أنها محمولةٌ على التجلّي. وهذا الوجهُ، وإن كان أحكمَ، لكنَّه لدقته وغموضِه لا يَفْهَمه كثيرٌ من الناس. أمَّا أنا العبدُ الذليلُ الحقيرُ الذي قد اغترف من بعض فُضَالَتِهِ، أُدْرِكُ بعضه إن شاء الله تعالى، وعَرَفْتُ أن ثاني الوجهين هو الأقربُ، وإنَّما ذكرته تحديثًا بنعمة ربي، لا غير. وما ذلك إلَّا من فضل ربي، ثم من بركات ملازمة شيخي، وإلَّا فإني أدري أني أنا أنا، اللهُمَّ إني أعوذ بكَ من شرِّ الشيطان وشركه.
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: الهامش التالي وقع في المطبوع في ص ٢٨٠، فنقلته لموضعه الصحيح هنا (٢) قلتُ: ومثلُ هذه المباحث قد وقعت في هذا التقرير كثيرًا، فَسَرِّح النظرَ فيها، ولا تَسْأَم من إغلاقها ونُبُوِّها عن الأذهان، فإنها عسيرةُ الحلِّ، ويَضِيقُ في مثلها نطاق البيان، فتزدادُ عُسْرًا إلى عُسْرها. ولستُ بأديبٍ أريبٍ، لأُلْبِسَهَا قوالبَ الألفاظ كما ينبغي، ولكن جهدُ المُقَلِ دموعُها. وإنا أنبِّه عليها، لأنَّ فيها علومًا لا تُدْرَكُ بعد ضرب الأكباد، وقد فَهِمْتُ منها ما شاء ربي أن أَفْهَمَهُ، لكن لا يساعدني القلمُ لأدائها، فعليكَ أن تتفكَّرَ فيها من نفسك. وسَيُحْدِثُ ربي بعد عُسْرٍ يُسْرًا، إن شاء الله تعالى.