للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإمرار اليد عليها تَبَعًا لمسح البعض، كما نشاهد البعض إذا مسح على البعض وكان على الرأس عِمَامة» (١).

وحاصله: أنَّ المسح على الرأس كان أصلًا، وعلى العِمَامة تَبَعًا، وهو الذي أراده الرَّاوي، أي أَنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم فعله على الرأس قصدًا، ومسح على العِمَامة أيضًا، إلاّ أنَّه لم يفعله قصدًا، بل وقع تَبَعًا، فمعنى التَّبَع: بلا قصدٍ، لا أنه كان في الحقيقة تسويته، وظنَّه الرَّاوي مسحًا، فإنَّه يوُجِبُ تغليط الراوي، وكم من فرق بينهما؟ وحاصل جواب القاضي على ما قرَّرت: أنَّ الرَّاوي ذكر المسح على العِمَامة كما وقع في الخارج، وإذا كان مَسَحَ بلا قصدٍ، فنقله أيضًا كذلك، وليس فيه تغليطٌ له بل فيه تصويبٌ، فادر الفرق بينهما، ولا تتعصب، فإِنَّ من العصبية لجهلًا.

وقد يُجَاب. أنَّ معناه أنه لم يمسح على العِمَامة، بل مسح على الرأس حال كون العِمَامة على الرأس، وحينئذٍ غرضُ الرَّاوي بيان طريق المسح حين التَّعَمُّم، كما تعرَّض إليه في حديث أبي داود: «أن النبي صلى الله عليه وسلّم مسح على رأسه ولم ينقض العِمَامة».

وقوله: «مسح على العمامة» متحملٌ لهذا المراد عُرْفًا وعربية.

والحق عندي أنَّ المسحَ على العِمَامة ثابتٌ في الأحاديث، كيف لا؟ وقد ذهب إليه الأئمة الثلاثة رَضِي الله عنهم، ولو لم يكن له أصلٌ في الدين لَمَا اختاروه البتة. وإني لَسْتُ ممن يأخذون الدين من الألفاظ، بل أَوْلى الأمور عندي تَوَارّث الأمة، واختيار الأئمة، فإنَّهم هُدَاة الدين وأعلامه، ولم يَصِل الدين إلينا إلا نهم، فعليهم الاعتماد في هذا الباب، فلا نُسِيّء بهم الظن، ولا نقول: إنَّ المسحَ على العِمَامة لم يَثْبُت في الدين، ومع ذلك ذهبوا إليه، ولذا لم يقل محمد رضي الله عنه: إنَّ المسحَ على العِمَامة لم يَثْبُت، ولكنَّه قال: إِنَّه كان ثُمَّ نُسِخَ. ومعنى النَّسخ قد علمته في المقدمة، فَرَاجِعه، فإِنَّه مهمٌ، وقد غَفَل عنه كثير من الناس، ولا يَرَوْن النسخ إِلا ما اشتهر عندهم، مع أنَّ النسخ في السلف أعمِّ منه، ولذا لا أجترىء على أَنْ أقول: أنه بدعة كما يُتَبَادر من بعض الكتب، بل هو مباحٌ كما صرّح به الرَّازِي منا في «أحكام القرآن».

وكان مولانا شيخ الهِنْد يقول بأداء الاستحباب منه، وإن لم يكتبوه في الكتب، قلت: بل ينبغي أن يلتزم أداة الاستحباب منه، لأن الإِباحة تُفِيدُ لو كان المسح على العِمَامة من باب العادات، وأمّا إذا كان سنة قَصْدِيّة، فلا بُدَّ أن يُقَال بأداء سُنَّة التكميل منه.


(١) قلت: قال الخَطَّابِي: وأبى المسحَ على العِمَامة أكثر الفقهاء، وتأوَّلوا الخبرَ في المسح على العِمَامة على معنى أنه كان يقتصرُ على مسح بعض الرؤوس، فلا يمسحه كلّه مقدمه ومؤخره، ولا ينزع عِمَامة من رأسه، ولا ينقضها وجعلوا خبر المُغِيرَة بن شُعْبَة كالمُفَسِّر، وهو أنه وصف وضوءه، ثم قال: ومسح بناصيته وعلى عِمَامته، فوصل مسح الناصية بالعِمَامة، وإنما وقع أداء الواجب من مسح الرؤوس بمسح الناصية، إذ هي جزء من الرأس، وصارت العِمَامة تَبَعًا له، كما رُوِيَ: "أنه مسح الخف وأسفله"، كالتَّبَع له، والأصل أن الله تعالى فرض مسح الرأس، وحديث ثَوْبَان محتمل للتأويل، فلا يُتْرَك الدليل المُتَيَقَّن بالحديث المُحْتَمَل: اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>