للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأيضًا، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال لحويصة، ومُحيِّصَة، وعبدُ الرَّحمن: «أَتَحْلِفُونَ، وتَسْتَحِقُونَ دَمَ صاحِبكُم؟».

وعند الشافعي: اليمينُ يجب على عبدِ الرَّحمن وحْدَهُ، لأنَّهُ أخو المقْتُولِ، وحويصة ومُحَيِّصَة عمَّاه، ولا يمينَ عَليهما، ثُمَّ ذَكَرَ البَيْهَقي: أَنَّ الشافعيَّ قيلَ له: ما مَنَعَكَ أَنْ يَأْخُذَ بحديثِ ابنِ شِهَاب؟ فقال: مُرْسلٌ، والقتيلُ أنصاري، والأنصارِيُون بالعِنَايةِ أوْلَى بالعِلْمِ به من غيرِهم. قال البيهقي: كأَنَّه عنَى حديثَ الزُّهْرِي عَنْ أَبي سَلَمةَ، وسُليمانَ بنِ يَسَارٍ عَنْ رِجَالٍ مِنَ الأنصار أَنَّه عليه الصلاة والسَّلام، قال: «اليهود» ... وبدأ بهم، الحديث. قال: وهو يُخَالِفُ الحديثَ المُتصل في البَداءةِ بالقَسَامَة، وفي إعطاء الدِّيَة، والثابتُ أَنَّه عليه السصلاة والسَّلام ودَاهُ من عندِهِ، وخَالَفَهُ ابنُ جُرَيج وغيرُه في لفظه.

قلتُ: في «مصنَّف عبدِ الرَّزاق» أنا مَعْمَرِ عن الزُّهْري عن أبي سَلَمَةَ، وسُلَيْمَانَ بنِ يَسَار عن رِجَالٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبي صلى الله عليه وسلّم مِنَ الأَنْصَارِ أَنَّه عليه الصّلاة والسَّلامِ قال ليهود بدأ بهم: «يحلفون منكم خَمْسُونَ رَجُلًا، فأبوا، فقال للأنْصَارِ: أَتْحِلُفونَ؟ فقالوا: لا نَحْلِفِ على الغَيْبِ». فجعلها رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم دِيةً على اليهودِ، لأنَّهُ وَجَدَ بين أَظْهُرِهم، وهذه حجةٌ قاطعةٌ للثَّوْرِي، وأبي حنيفةَ، وسائرِ أَهْلِ الكوفة، كذا في «الاسْتذكارِ». وقال في «التمهيدِ»: هو حديثٌ ثابت. وقد قَدَّمْنَا في - باب النَّهي عَنْ فَضْلِ المُحْدِث - مِنْ كلامِ البَيْهَقي وغيرِهِ، أَنَّ هذا الحديثَ وأشباهه مسندٌ متصلٌ، ولو سَلَّمنَا أَنَّه مُرْسَلٌ فقد تَقَدَّمَ أَنَّ حديثَ سَهْل أيضًا غيرَ متصلٍ، وقول الشافعي: والأنصاريون أولى بالعلم به.

قلنا: ابنُ بُجَيْد أيضًا منهم، وحديثُ ابنُ شِهَابٍ أَخْرَجَهُ أبو داود، وهو أيضًا عنهم، وهو وإنْ خَالفَ حديثَ سَهْل في البَدَاءَةِ بالقَسَامَة، فقد تَأيَّدَ بعدَّةِ أحاديث، تقدَّمَ بعضُها، وسيأتي بعضُها، وتأَيَّدَ أيضًا بدَلَالةِ الأُصولِ، ولأنَّ رواتَهُ أئمةٌ فقهاء، حفاظٌ، لا يَعْدِلُ بهم غيرهم، وما فيه مِنْ جَعْلِ الدِّية عليهم يُؤَيِدُهُ ما في حديثِ ابن بُجَيْد، أنه عليه الصَّلاة والسلام كَتَبَ إليهم «أَنَّه قد وُجِدَ فيكم قَتيلٌ بين أثنائكم، فدُوه»، وما في «الصحيحين» مِنْ قولِهِ عليه الصَّلاة والسلام: «إمَّا أَنْ يَدُوا صاحبكم، وإمَّا أَنْ يُؤذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِه». وجهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ هذه الأحاديث، وبَيْنَ ما في حديثِ سَهْلٍ أَنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام أَوْجَبَهَا عليهم، ثم تَبَرَّعَ بها عنهم.

قال النووي في «شرح مسلم»: المختار قال جمهور أصحابنا، وغيرهم: إِنَّ معنَاهُ أَنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام اشْتَرَاها مِنْ أَهْل الصَّدَقات، بعد أَنْ مَلَكُوها، ثُمَّ دَفَعَها تبرعًا إلى أهلِ القَتِيل، انتهى كلامه. وبهذا يَزُول الاختلافُ، وقد ذَكَرَ البَيْهقيُّ فيما بعد في «بابِ وجوبِ الكَفَّارَةِ»: أَنَّ قومًا استعصَمُوا بالسُّجُودِ، فقتَلَهُم المسلمون، فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: «أعْطُهم نِصْفَ العَقْلِ». ثُمّ ذَكَرَ عن الشافعي أَنَّهُ كان تطوعًا، ثم ذَكَرَهُ مِنْ وجهٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>