بمجهولٍ، كما زَعَمَ الشافعيُّ، بل هو مَعْرُوفٌ، رَوَىَ عنه الضَّحَّاكُ، والشَّعْبيُّ، والسَّبِيْعِي وغيرُهم، وهذا الأثرُ وإِنْ كان مُنْقَطِعًا، فقد عَضَّدَهُ ما تَقَدَمَ مِنَ الأَحاديث.
وفي «التمهيدِ» رَوَىَ مالكٌ عن ابنِ شِهَابٍ عن عِرَاك بنِ مالك، وسليمانَ بنِ يَسَارٍ «أَنَّ عُمَر بنِ الخطَّابِ بَدَأَ المُدَّعَى عليهم بالأَيْمَانِ في القَسَامة». والبَيْهَقيُّ أيضًا ذَكَرَ هذا في آخرِ هذا الباب، وسيأتي إِنْ شاء اللهُ تعالى في باب النكول، ورد اليمين، مِنْ رَوَايَةِ الشافعيِّ عن مالكٍ عن ابنِ شِهَابٍ عن سُليمانَ بنِ يَسَارٍ أَنَّ عمرَ بَدَأَ بأَيْمَان المُدَّعَى عليهم. وقال ابنُ أبي شَيْبَةَ: ثنا شَابَةَ، وأبو معاوية عن ابنِ أبي ذِئْبٍ عن الزُّهْرِيِّ «أَنَّهُ عليه الصَّلاة والسَّلام قَضَى في القَسَامَةِ أَنَّ اليمينَ على المُدَّعَى عليهم». وقال أيضًا: ثنا أبو معاوية عن مُطِيع عن فُضَيْلِ بنِ عَمْرو عن ابنِ عباس أَنصِ قَضَى بالقَصَامَة على المُدَّعَى عليهم. وثنا أبو معاوية، ومَعْمَرُ بنُ عيسى عن ابنِ أبي ذِئْبٍ عن الزُّهْرِيِّ عن سَعيدِ بنِ المُسَيَّب أَنَّه كان يَرَى القَسَامَةَ على المُدَّعَىَ عليهم.
وأَخْرَجَ أَيضًا بسندِهِ عن عُمَر بنِ عبدِ العزيزِ أَنَّه بَدأَ بالمُدَّعَى عليهم بالميين، ثُمَّ ضَمَّنَهُم العَقْلَ، وقد جَمَعَ في هذا بين اليمينِ والغَرَامَةِ، وكذا فَعَلَ عُمر. ودَلَّ عليه ما في الحديثِ الصحيحِ:«إمَّا أن يَدُو صاحبكم ... إلى آخره، فَأَلْزَمَهُم أحدَ الأمرينِ: إِمَّا أَنْ يَدْفَعُوها، وإِمَّا أَنْ يَمتَنِعوا، فَيُنْقَضُ عَهْدُهُم، ويَصِيرُوا حربًا، ولم يَنَص في حديثِ سَهْلٍ أَنَّهم يُبَرِّئُونَهم مِنَ الغَرَامة، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُراد: تُبْرِئُكُم عن دَعْوَى القَتْلِ، أو عَنِ الحَبْسِ والقَوَدِ إِنْ أَقَروا. وقولُ الشافعي: لم يَجْعَل على يهود شيئًا، قَدْ تقدَّمَ خِلافُه، وأَنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام جَعَلَها على يهود، لأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرهم، وتقدَّم أيضًا ما يُؤيِّدُه.
ثم قال البَيْهَقيُّ: وَرَوَى عن مُجَالِد عن الشَّعْبيِّ عن مَسْرُوقٍ عن عُمر، ومُجَالِد غيرُ مُحْتَجّ به، قُلْتُ: أَخْرَجَ له مسلمٌ في «صحيحه» ثُمَّ قال البيهقيُّ: قال الشافعي: وَيُرْوَىَ عن عُمر أَنَّهُ بَدَأَ بالمُدَّعَى عليهم، ثم رَدَّ الأَيمانَ على المُدَّعَين، ثُمَّ أَسْنَدَهُ البيهقيُّ، ولفظُهُ:«أَنَّ رجلًا من بني سعد أَجْرَى فرسًا، فَوَطَىءَ على إِصْبَعِ رَجُلٍ مِن جُهَيْنَةَ، فَبَرِىءَ منها، فماتَ، فقال عُمر للذين ادعى عليهم: أتحلِفُونَ بالله خمسينَ يمينًا ما ماتَ منها؟ فأَبَوْا، فقال للآخَرِين: إِحْلِفُوا أنتم، فأَبَوا، فقَضَى عُمر بِشَطْرِ الدِّيَة على السَّعْدِيينَ».
قلتُ: هذا الأَثَر عُرِفَ فيه الجاني، لكن لم يُدْرَ ماتَ مِن جِنَايةٍ، أو مِنْ غَيْرِها، فأَمْكَنَ أَنْ يُجَعَلَ في حالٍ قتيلًا، فتجبُ الدِّية، وفي حالٍ غيرُ قتيلٍ، فَقَضَى بالنِّصفِ، وليس هذا كحديثِ سَهْلٍ، لأَنَّهُ وَرَدَ في قتيلٍ وُجِدَ في مَحَلَّةٍ، ولم يُدْرَ مَنْ قَتَلَهُ، ومذهبُ الشافعي أَنَّهُ لو أَبَى المُدَّعَى عليه، والمُدَّعي أن يَحْلِفَ لا يُقْضَى بِنِصْفِ الحقَّ، ولا يُقْضَى بشيءٍ حتى يَحْلِفَ المُدَّعي، فَتَركَ هذا الأثرِ في نُكُولِ الفَرِيقَيْنِ، فلم يَقْضِ بالنِّصفِ، بل أَبْطَلَ الحقَّ كلَّهُ، وإِنَّما تَرَكَ خَصْمُ الشافعي هذا الأثرَ في رَدِّ اليمينِ، لأَنَّهُ