وكان مالك يُفْتي الخَوارِجِ والمُلحِدُون: هم الذين يُؤولونَ في ضروريات الدين، لإِجْرَاءِ أَهْوَائِهم.
- قوله:(إقامة الحُجَّةِ عليهم) أي بَعْدَ تَبْلِيغِهم.
- قوله:(فَجَعَلُوهَا على المُؤْمِنِينَ) وهذا كحَالِ المُدَّعِينَ العَملَ بالحديثِ في دِيَارِنا، فإِنَّ كل آياتٍ نَزَلتْ في حق الكُفَّار، فإِنَّهم يَجْعَلُونَها في حَقِّ المُقَلِّدِين، سِيما الحَنَفَية، كَثَّرَ الله تعالى حِزْبَهم، وقد رَأَيْنَا بعضع هذا في كلامِ الحافظِ ابنِ تيمية أيضًا، ولَيْس أَحَدٌ يتجاوزُ عن حَدِّ الاعتِدَالِ إلا يَضْطَرُ إلى الاقتحامِ في مِثْلِه، فليُحْتَرَزْ عن الإِفْرَاطِ والتَّفْرِيطِ، وليحل حول حمى الحق. فإِنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال:«سَدِّدُوا وقارِبوا». ألا تَرى أَنَّ الأشْعَرِيَّ لمَّا بَالغَ في التنيهِ وشَدَّدَ فيه، لَزِمَهُ نفي كثيرٍ مِنَ الصِّفاتِ التي أَثْبَتَها السَّمْعُ حتى قارَن المُعَطِّلة، فلم يَبْقَ للاستواءِ المَنْصُوصِ عِنْدَهُ مصداق، وصارَ نحو ذلك كُلُّه مِنْ بابِ المُجَازَاتِ عِنْدَهُ، فالقُرْآنُ يَأْبَى عمَّا يُرِيدُهُ الأشعري من تنزيههِ هذا تباركَ وتعالى؛ وقد نَقَلْنَا لك فيما أَسْلَفْنَا أَنَّا لم نَجِدْ تعبيرًا في القرآن أَزْيَد إِيهامًا مِنْ قوله تعالى: إني أنا الله ومِنْ قولِهِ: {بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ}[النمل: ٨] وكان ذلك مسموعًا مِنَ النارِ.
قلتُ: فعليه أَنْ يَكْرَهَ هذا التعبيرَ أيضًا، ولكنَّ القرآن قد أَتَى به، ولم يُبَالِ بذلكَ الإيهام، ولا رَآهُ مخالِفًا للتنزيهِ، وذلك لأَنَّ إِيهام الظرفية ههنا كالعَدَمِ، فإِنَّه لا يَجْعلُ