أعمالهم، وأخلاقهم، وشمائلهم، وخصائلهم ومسائلهم. ونقل البخاري قصة حَلْقِ الحجاج رأس الإمام وإصلاحه له، مع أن مدارك الإِمام دقيقة، فإنَّ التيامنَ يمكن أن يكون باعتبار الحالق وباعتبار المحلوق كليهما. وكذا استقبال القِبلة. فليراعِ الحُمَيدي هذه الأمور أيضًا، وليحذر عن الطعن في حق الإِمام الذي مُعْظَم الأُمَّة على أثره. ولمثل هذه الأمور لم يكتب البخاري مناقبه في أحدٍ من تصانيفه، لأنه لما بلغته مَثَالِبُه ومناقبه، وغلب على ظنه مثالبه فقط، أعرض عن مناقبه.
ثم إن هذه أمور وعوارض تعتري الرجل، ولا يجب أن يستقرّ عليه رأيه، كما أنك تسمع اليوم فِسقَ رجل فتنفر عنه، ثم تبلغ إليك محاسنه، فيتبدل رأيك فيه وتُحِبّه. فهذه أمور ليست مما يستقر عليه الإنسان، بل تبنى على الإِخبار، وأَجِد في الصحيح كثيرًا من الرواة من تلامذة أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، لأنه ترجَّح عنده مناقبهم، ولا أر عن الشافعي رحمه الله تعالى حرفًا في هجو الإمام، بل ينقل منه المناقب، حتى إني لم أر مناقب أحمد رحمه الله تعالى أزيد ما رأيته في كلامه. فمنها: أني تحمَّلت عنه وقْرَيْ بعيرٍ من العلم. ومنها: أنه كان يملأ العين والقلب. وأنه إذا تكلم فكأنما ينزل الوحي.
وينقل عن أحمد ومالك رحمهما الله تعالى بعضًا من المناقب. وشيئًا من المَثَالِب أيضًا. وسببه وقوع الفتن والمصائب من جهة الحنفية. وفي تاريخ الخطيب لفظ الكفر أيضًا في حق الإمام {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَاّ كَذِبًا}(الكهف: ٥). وهو شافعي في المذهب، وأجاب عنه السلطان ... وسماه «السَّهْم المُصِيب في كَبِدِ الخطيب»، وقد طُبِع الآن، وليراجع في هذه الأمور الخارجُ والواقعُ، ألا ترى ماذا يفعل الناس اليوم؟ وكيف يتَّهِم بعضهم بعضًا.
واعلم أن مشايخنا رحمهم الله تعالى اختلفوا في جواز الاقتداء عند الاختلاف في الفروع بين الإمام والمأموم فقيل: إنه جائز إذا عَلِمَ من حال الإِمام أنه يحتاط في مواضع الخلاف وألا لا. وقيل: إذا شاهد إمامه يرتكب ناقضًا من النواقض المختلفة فيها كَمَسِّ المرأة، ومَسِّ الذَّكَر، أو خروج الدم من غير السبيلين، لا يجوز افتداؤه لمن كان يراه ناقضًا، وإلاّ صح.
قلت: والذي تحقَّق عندي أنَّه صحيح مطلقًا سواء كان الإِمام محتاطًا أم لا، وسواء شاهد منه تلك الأمور أم لا، فإِني لا أجد من السلف أحدًا إذا دخل في المسجد أنه تفقد أحوال الإِمام أو تساءل عنه بَيْدَ أنهم كانوا يقتدون وينصرفون إلى بيوتهم بلا سؤال ولا جواب. وفي «فتاوى الحافظ ابن تيمية»: أن هارون الرشيد افْتَصَدَ مرةٌ ثم قام ليصلي، وكان أبو يوسف رحمه الله تعالى موجودًا هناك، فاقتدى به مع علم الناقض عنده. فإِن قلت: كيف الاقتداء مع تيقُّن الإِمام على عدم الطهارة عنده؟ قلت: إنما يتوجه السؤال إذا كان الإمام على أمرٍ باطل قطعًا، وهذه المسألة مجتهَدٌ فيها، أمكن فيها أن يكون الحق إلى الإِمام، وأمكنَ أن يكون في جانبٍ آخر، ولذا لا يسعك أن تحكم على صلاة الآخرين أنها باطلة عند الله تعالى، ولكن يَبْذُل الجَهْدَ ويتحرَّى الصواب لينال الثوابَ بقدر الاجتهاد.