للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يصيبهم خير من ربهم، على أن محط الشهر نفي الشهرين كما مرّ.

وحاصله: أنَّ شُرَيحًا حكم بالدِّيانة دون القضاء، وحينئذ المقصود أنه لم يحكم بالشهرين الذين كانا بحُكْم القضاء، ولذا حَذَفَ الكسر ولم يتعرض له. بقي أن شُرَيحًا كان قاضيًا، والظاهر من أمره أن يكون حُكمه بحُكْم القضاء.

قلت: ولا يجب على القاضي أن يحكم بحكم القضاء دائمًا، بل له أن يحكم بحكم الديانة إذا تراضى الخصمان. نعم لا يكون حُكْمه بالديانة حجةً ملزِمة وفاصلًا، فلو رضي به الخصمان جاز له أن يحكم بالديانة، كما في «الدر المختار»: ويُفتي القاضي ولو في مجلس القضاء، وهو الصحيح ... إلخ.

وفي «الطحاوي» في باب الصدقات الموقوفات: عن أبي يوسف، عن عطاء بن السائب قال: سألت شُرَيحًا عن رجل جعل داره حَبْسًا على الآخر، فالآخر من ولده؟ فقال: إنما أقضي ولست أُفتي. قال: فناشدته، فقال: لا حبس على فرائض الله ... إلخ. فهذا شُريح القاضي أنكر أولًا أن يُفتيَ بحكم الديانة، ثم إذا ناشده أفتى بها، فهذا دليل على أن للقاضي أن يحكم بالديانة أيضًا.

قوله: (وقال عَطَاءُ) أقْرَاؤها ما كانت. وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى القديم، كما في «النهاية». وأما الجديد فهو مشهور ويُعْلَم منه: أن الأقراء بمعنى الحيض، كما قال به الإمام.

قوله: (وقال مُعْتَمِرٌ) ... إلخ. ولا يَنْحلُّ مرادُ ابن سيرين إلا بعد مراجعة أبي داود مُفَصَّلًا. قال أبو داود: وروى يونس عن الحسن: الحائضُ إذا مدَّ بها الدم - يعني استمر بها وزاد على عادتها - تُمْسِك بعد حيضتها يومًا أو يومين - يعني عن الصلاة والصيام فهي عنده إلى يومين حائضة - فهي - أي بعد يومين - مُستَحاضةٌ. وقال التيميُّ: عن قَتَادة: إذا زاد على أيام حيضها خمسةُ أيام فلتُصَلِّي. قال التيمي: فجعلت أَنْقُصُ حتى بلغتُ يومين، فقال: إذا كان يومين فهو من حيضها. وسُئل ابن سيرين عنه، فقال: النساءُ أعلم بذلك. انتهى. يعني أن ابن سيرين لم يُجِبْ فيما زاد على أيامها خمسة أيام، بخلاف ما نقله التيمي عن قَتادة، فإنه جعلها استحاضةً، واليومين حيضًا.

وهذه المسألة تُسمَّى بالاستظهار عند المالكية: وهي أنها تنتظر بعد أيامها إلى ثلاثة أيام، فإن ظهر الدم فيها فإنه يُعَدُّ من حيضها ويُلحق بما قَبْله، وإلا فيكون استحاضةً. وعندنا إنْ ظهر الدم في العشرة يُعَدُّ المجموع حيضًا، وإن تجاوز عنها رُدّت إلى عادتها. فالعبرة عندنا بظهوره في أيامه أو بعدها، والعبرة عند مالك رحمه الله تعالى بظهوره في ثلاثة أيام، أو بعدها. وقد مرّ معنا أن التمييز بين دم الحيض والاستحاضة مُشْكِل جدًا، فإنهما دمان مشتبهان، ولذا اختُلِف في إفراز الحيض من الاستحاضة، وإنما عَيَّن مَنْ عَيَّن تقريبًا وتسهيلًا لإجراء الأحكام. ثم إنَّ هذا كلّه فيما تجاوز الدم على أيامها، فإن تصرَّم عليها فجوابه كما في الفقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>