وأتصرف فيه من قِبل نفسي - وإن لم يكتبه أحدٌ - وأقول: إنه إن لم تقع الخصومة بينها وبين الزوج، وادعت المرأة بانقضاء عدتها في تسعة وثلاثين يومًا تُصدَّقُ ديانةً.
وما في المتون فهو مسألة القضاء عندي قطعًا، فإنهم إذا عينوا الأقل والأكثر من الحيض والطهر في بابيهما، وجعلوه كلية، فمن هدمه في هذا الباب، فإن لم نعتبره في باب العدة تناقضت المسألتان، لأن تحديد الأقل والأكثر يستلزم تصديقها بانقضاء عدتها إذا احتملت المدة، وعدم تصديقها إلا بالشهرين يستلزم هدر هدر هذا التحديد، ولهذا جزمتُ بأن ما في الكتب مسألةُ القضاء دون الدِّيانة.
والحاصل: أنَّ عدمَ تصديقها إلا بالشهرين ليس بناء على عدم الحيض بالثلاث، أو على هدر التحديد المذكور، بل بناؤه على عدم التصديق عند النزاع رعايةً للجانبين. وإن أمكن مضيُّ عدتها بأخذ تسعة أيام للحيض بناءً على أنَّ أقلَّه ثلاثةٌ وشهر للطُّهْرَين، وحينئذ محطُّ الشهر في فتوى شُريح ليس نفيَ الكسر بل نفي الشهرين، فجاز أن يكون الكسر خمسةً كما قال الحافظ رحمه الله تعالى روايةً، أو تسعةً كما قلنا ولا يذهب عليك أن هذا تصرف في التعبير والتقرير فقط، لا تغيير في المسألة. وكم من مواضع سلكتُ فيها هذا المسلك.
قوله:(وما يُصَدَّقُ النِّساءُ) ... إلخ يعني أنه يصدّق بقولهن في باب الحمل والحيض فيما يمكن انقضاء الحيض في تلك المدة، ولذا قال الله تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ}(البقرة: ٢٢٨) فنهى عن الكتمان، ولو لم يكن قولُهن معتبرًا لما كان في نهيهن معنى، فإذا نُهين عن الكتمان وجب للقوم أن يعتبروا بقولهن، إلا أن يَقُلن بما يخالف البداهة من انقضاء العدة فيما لم يحتمل انقضاءها فيه، فاستدل به المصنِّف رحمه الله تعالى على عبرة قول المطلَّقة إن ادَّعت بانقضاء عدتها في شهر.
قوله:(ويُذْكَر عن عليِّ وشُرَيح رضي الله عنهما) ... إلخ وشُرَيح هذا كان قاضيًا منذ نصَّبه عمر رضي الله عنه. فمرّ على عليّ رضي الله عنه يومًا، فأمرَهُ أن يحكم في تلك القضية. قال شُرَيح: أَبين يدي الأمير أَحْكُم؟ قال: نعم. ثم حَكَم شُرَيح بما في الكتاب. وفي «الفتح»: أن عليًا صوّبه، وقال: قالون: وهو في لسان الروم بمعنى أحسنت.
قوله:(بِطَانَة أَهْلِها) يعني خواصَّ أهلها (ابنى خاص كنبه مين سى)، وقد سمعت أنَّ هذا الأثر مخالفٌ للشافعية والحنفية، وأقرب بِمَنْ لم يَرَ التوقيت في أمر الحيض. وأجاب عنه الحافظ رحمه الله تعالى بما في الدارمي بزيادة الكسر، وأجبتُ عنه بِحَمْله على الدِّيانة، فلم يخالف ما في المتون من أنها لا تُصَدَّق إلا بالشهرين، فإنه في حقّ القضاء. أما حذف الخمسة أو التسعة فالأمر فيه سهل (١)، وإنما ينازع فيه مَنْ يتعصب لمذهب الحنفية، ولا يتحمل أن
(١) قلت: ويمكن أن يؤيد الحنفية بما أخرجه الحافظ رحمه الله تعالى عن الدارمي بإِسناد صحيح إلى إبراهيم قال: "إذا حاضت المرأة في شهر، أو أربعين ليلةً ثلاث حيض ... "، فذكر نحو أثر شُرَيح رحمه الله تعالى، وعلي رضي الله عنه.