من الأمر، وإنما يريد الله بكم اليسر، فصرح في الوضوء بالغاية وقال: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦]، وسكت عنها في التيمم وقال: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [المائدة: ٦] ولم يتعرض إلى الغاية فيه، وهذا مُشْعِرٌ بأن الصور كلها مُحتملة فَمَنْ شاء تيمم إلى الرُّسْغَين. ومَنْ شاء إلى المِرْفقين، ولذا ذهب إلى كلِّ احتمال من الاحتمالات إمامٌ من أئمة الدين، فقيل: ضربة، وقيل: ضربتان، وقيل: إلى الرُّسْغَين، وقيل: إلى المِرْفقين. ثم مَن اختار التيمم إلى المرفقين جاءت عنه الرواية بالرُّسْغَين أيضًا. وكأن الأئمة تختلف الرواياتُ عن إمامٍ واحد في مثل هذه المواضع لهذا أعني أن اللهَ سبحانه لو أراد أن ينحصر الدينُ في صورةٍ واحدة لانحصر فيها، ولضاق به الأمر على الناس فأراد أن لا يكون في الدين من حرج. فكم من أشياء عَيَّنها وصرح بها، وكم مِن أشياء أبهمها وهو المَرْضي لا أنه بحسب الاتفاق، أَو نحوٍ من قصور في العبارة والعياذ بالله، فإني رأَيتُ كثيرًا من العلماء يتأسفون في مثل هذه المواضع، وتتحدث بهم أنفسهم أن القرآن لو صرَّح لانفصل به الأمر، ولا يتوجهون إلى أن الله تعالى ليس غافلًا عن هذه الأشياء ولكنه أبهمها قصدًا، ونَبَّه عليه في قوله: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: ١٠١] وعدَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظمهم وزرًا مَنْ حُرِّم بسؤاله شيءٌ لم يكن حرامًا في الدين، فإنه هو الذي ضيَّق على الناس وهذه فائدة عظيمة تنفعك في القرآن في كثير من المواضع، ولم أر أحدًا منهم نَبَّه عليها، ولكن شغلهم عنها الاستنصارُ لمذهبهم فقالوا: إن الله سبحانه لما ذكر الغاية في الوضوء وأطلقها في التيمم، كان الظاهر فيه التقييد بمثل ما في الوضوء، ولا أُنكر هذا الاستنباط فليكن الأمر كما قالوه، ولكن الأهم منه أّن يُنبهوا على هذا الصنيع لينفع في كثيرٍ من الآيات. وهذا لم يكن خاطري أبو عُذْرِهِ، =