(١) قلت: ورأيت بعض القاصرين يقول: وكيف يصح إرجاع الضمير إليه - صلى الله عليه وسلم - مع أنه ليس بمذكور في طريق من الطرق؟ قلت: وكأن هذا القائل غافل عن طريق الصحابة رضي الله عنهم، وعن طريق سَنَن الكلام، وليس عنده إلا مسائل هدايةِ النحو، ولا أدري ما الضيق في إرجاع الضمير إلى مَنْ دار ذِكْره فيما بينهم وكان في أذهانهم حاضرًا كلَّ أوان. ثم لبس عند جابر رضي الله عنه صفة التيمم عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على لفظ الدَّارقطني وكأنه أخذها عَمَّا كان في الطحاوي من الواقعة وفي آخره: وهكذا التيمم. ولا ريب في أن الأظهر أنه مرفوع ولذا لما نقل عنه صفة التيمم عند الدارقطني صرَّح بالرَّفْع مع أن سند ما وراء الدارقطني والطحاوي مُتَّحِد. فحديثه المختصر عند الدارقطني من أجَلِّ القرائن على أن ما عند الطحاوي مرفوع، لأن ما يتبادر إلى الذهن أَن الحديث على وجهه كما في الطحاوي، ثم أخذ عنه صفة التيمم واكتفى بروايتها كما قالوا في روايةِ عمار: إن قوله: "إنما يكفيك الوَجْه والكَفَّيْنِ" روايةٌ بالمعنى، وحديثه على وجهه هو الذي فيه الإشارة إنما يكفيك هكذا، والتصرف بِمثله غيرُ نادر في الرواة، كحديث ابن عمر رضي الله عنه: "الوتر ركعة من آخر الليل"، إنما هو منقوض من حديثه الطويل في الوتر: "صلاةُ الليلِ مثنى مَثْنَى"، وفي آخره: "فليوتر بواحدة" وسيجيء تحقيقه، وأما الكلام فيما نحن فيه فلا يحتاج إلى شيء من هذا، فإنه لا ندرة ولا سترة في إرجاع الضمير إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في زمن الصحابة رضي الله عنهم، لكونه حاضرًا بينهم في زمانهم ومكانهم، وإنما الأسف على مَن اعتاد الردَّ وظنه كمالًا اهـ.