للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والسَّلام، فإنَّه نبي من أنبياء بني إسرائيل عليهم الصَّلاة والسَّلام، لكنَّه أُطْلِقَ هذا الاسم على إدريس عليه الصَّلاة والسَّلام أيضًا، فالتُبِسَ (١) الأمر لهذا، وراجِعِ التفصيلَ من «شرح المواهب» وابن كثير في تفسير قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: ١].

قوله: (صريف الأقلام) وهي صوتُ أقلامِ الكرامِ الكاتِبِينَ، كانوا يأخذون النَّقْلَ عن اللّوحِ المحفوظِ.

قوله: (وهي خمسون) وقد ذكر في المقدّمة أنَّه ليس بنسخٍ، بل إلقاءٌ للمراد بعد دفعاتٍ.

ونظيرُهُ قصّةُ ليلةِ البعير مع النبي صلى الله عليه وسلّم وجابر رضي الله عنه حيثُ قال له النبي صلى الله عليه وسلّم «بِعْنِي بعيرَكَ» فأجابه جابر: إني قد بِعْتُهُ منك، فراجعه النبي صلى الله عليه وسلّم بمثل ذلك وأجابَهُ كذلك، وقد وَقَع ذلك مرارًا، ثم انكَشَفَ الأمرُ حينَ بَلَغَ النبي صلى الله عليه وسلّم المدينة أَنَّ غَرَضَهُ لم يكن شراءَهُ منه، ولكنّه كان يريدُ أن يَمُنَّ به عليه ويَزِيدَهُ، فرَدَّ بعيرَهُ ورَدّ ثَمَنَهُ. وكقولِهِ صلى الله عليه وسلّم «أترضون أنْ تَكونُوا رُبْعَ أَهلِ الجنَّة؟ ... » إلى أن قال: «أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ ... » وكقوله صلى الله عليه وسلّم عند البخاري في باب فضلِ السّجود في ذكر رجلٍ يكونُ من آخرِ أهلِ الجنَّةِ دخولا، وفيه: «لك مثلُ الدنيا وما فيها، ومثلُهُ ومثلُهُ ... » حتى عدَّ عَشْرَ مراتٍ، كل ذلك من هذا الوادي.

وأما ما ذَكَره الراوي ههُنا، أنّه وَضَعَ عنه شَطْرَهَا في المرةِ الأولى ففيه إجْمالٌ، وكذلك ما في بعضِ الألفاظ أنّه وَضَعَ عَشْرًا في كلِّ مرةٍ. والأصلُ أنّ التخفيفَ كانَ خمسًا خمسًا حتى إذا بَقِيَتْ منها خَمْسُ فقد استحى من ربِّهِ أنْ يُراجِعَهُ بَعْدَهُ؛ لأن حاصلَ المراجَعَةِ في تلك المرَّةِ لم يكن إلا أنْ يَعْفُوَ عنه رأسًا، فإنّه إذا عفى عنه خمسًا في كل مرةٍ ولم يَبْقَ عليه إلا خمسُ، فلو راجَعَهُ بعدَهُ أيضًا لكانَ المعنى التخفيفَ عن هذه الخمس أيضًا. ومآله رَدٌّ لما أَمَرَهُ الله به والعِيَاذُ باللَّهِ؛ لأنَّه لمّا سَمِعَ في المرّة الأخيرة أنّه لا يُبَدَّلُ القول لديّ، عَلِمَ أنّ بقاءَ الخمس هو المرضي لربِّهِ عزّ وجلّ، فاستحى منه أن يُراجِعَهُ في أمرٍ عَلِمَ رضاءَهُ فيه. وكنت حَقَّقْتُهُ من قبلُ، ثم رأيتُ السُّهَيْلِيَّ رحمه الله تعالى قد سَبَقني به في «الرَّوْضِ الأُنُفْ»، والسُّهَيلي من العلماءِ المالكيةِ دقيقُ النَّظَرِ جدًا.

وأمَّا سِدْرَهُ المُنْتَهَى فقرَّرَ الحافظُ رحمه الله تعالى أنَّ أَصْلَهُ في السماءِ السادسةِ، وفروعَهُ في السابعةِ، فَصَحَّ كونُهَا في السادسةِ والسابعةِ معًا. قالوا في وجهِ تَسْمِيَتِهِ بسدرةِ المنتهى، أنّهَا تَنْتَهِي إليها أعمالُ الناسِ، وما تَبَيَّنَ لي يَقْتَضِي تمهيدَ مقدمةٍ وهي: أن السّماواتِ السبع مع الأرضينَ كذلك كلَّها عِلاقَةُ جهنمَ عندي، والجَنّةَ عِلاقَتُهَا فوقَ السّماواتِ السبعِ، وسَقْفُها عرشُ الرحمن، إذا عَلِمْتَ هذا فاعلم أن أَصْلَهَا في عِلاقةِ جهنَّمَ، وجِذْعُهَا في عِلاقةِ الجنةِ لكونِهِ فوقَ السّماواتِ السبع، ونَصَّ القرآن على أنَّ {عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥)} [النجم: ١٥]، فعُلم أن علاقة


(١) وتفصيله: أن الالتباس إنما جاء من حيث اشتراك الاسم، فإدريس اسمه الأصلي عليه السلام وأُطلق عليه إلياس بالمعنى الوصفي، لأنه بالعبرانية عبد الله، وكذا إلياس اسمه الأصلي، ويقال له إدريس أيضًا، فالأقرب أن يُؤَيّدَ قول الجمهور ويُؤَوَّلُ قول البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>