الجنة تبتدأ مِنْ هناك، وتنتهي عِلاقة جهنمَ، ومنه سُمِّيَتْ سِدْرَةُ المُنْتَهَى عندي يعني لكونِهَا على مُنْتَهَى عِلاقةِ جهنمَ ومبدأ عِلاقةِ الجنةِ، والله تعالى أعلم. وأما ما غَشِيَهَا مِنَ الألوانِ فَلَعَلَّهَا كانَتْ ملائكةُ الله يَفِدُون على تَجَلِّيَاتٍ رَبَّانِيّةٍ هناك، وفي رواية عند مسلمٍ فراشٌ من ذهب.
قوله:(حبائل من لؤلؤ) أي أسلاكُ اللُّؤلُؤِ المنظَّمة يُرْخُونَهَا على الغُرَفِ في زَمَانِنَا لأجل التَّزَيُّنِ.
٣٥٠ - قوله:(فأقرت صلاة السفر) وهذا صريحٌ للحنفيّة في أنّ القَصْرَ في السفرِ رُخْصَةُ إسقاطٍ لا رخصةَ ترفِيه، وأجاب عنه الشافعيّة بوجُوه ردّها الحافِظُ رحمه الله تعالى كلِّها، ثم أجَابَ مِنْ عِنْدَ نفسه وقال: والذي يظهر لي أنَّ الصّلواتَ فُرِضَتْ ليلةَ الإسراء ركعتين ركعتين، ولا المَغْرِب - ولعلّه إلا المَغْرِبَ - ثم زِيْدَت عَقِبَ الهِجْرَةِ إلا الصبحَ كما روى ابن خُزَيمَة عَنْ مَسْروق عن عائشة رضي الله عنها قالت:«فُرِضَتْ صلاةُ الحضرِ والسفرِ ركعتينِ ركعتينِ، فلما قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم واطمأنَّ زِيدَا في صلاةِ الحضرِ والسفر ركعتانِ ركعتانِ، وتُرِكَتْ صلاةُ الفَجْرِ لطولِ القراءةِ، وصلاة المَغْرِبِ لأَنّهَا وِتْرُ النهار» اهـ.
ثم بعد أنْ استقرَّ فرضُ الرُّبَاعِيّة خُفِّفَ منها في السفر عند نُزُولِ الآيةِ السَّابِقَةِ. وقوله تعالى:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاةِ}[النساء: ١٠١] وحينئذٍ المرادُ بقولِ عائشة فَأُقِرَّتْ صلاةُ السفرِ، أي باعتبار ما آل الأمرُ إليه من التَّخْفِيف لا أنَّها استمرتْ كذلك منذ فُرِضَتْ، فلا يَلْزَمُ من ذلك أنَّ القصر عزيمةٌ. انتهى مختصرًا.
وحاصل جوابِهِ: أنَّ بناءَ استدلالِ الحنفيّة على أنَّ الصلاةَ في الأصلِ لم تكنْ أرباعًا قَطْ، فما يصلِّيها المسافرُ ليست قصرًا لِيُتَوَسَّع فيها بالإِتمام، وإنما هي على أصلِهَا كما كانتْ، وحينئذٍ الإتمامُ لا يكون إلا زيادةً، وذا لا تَجُوز. ولما عَلِمْتَ أنَّها صارَتْ أربعًا وإنْ كانت في الأصل ركعتينِ، ثم نَزِلَتْ فيها الرُّخْصَة فَسَدَ المَبْنَى، وَظَهَرَ أنَّ صلاتَهُ قَصْرٌ، وحينئذٍ لا يكونُ الإتمامُ زيادةً، بل يكونُ القصرُ للتَّرفيه لقوله تعالى:{لَاّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فمن شاء قَصَرَ ومن شاءَ أَتَمّ.
قلتُ: وفيه نظرٌ: لأنَّه يَلْزَمُ على ما اختارَهُ النّسْخُ مرَّتينِ، الأول: من الركعتينِ إلى الأَرْبَع. والثاني: من الأربعِ إلى الركعتينِ، وليس عندَهُ دليلٌ على قولِهِ هذا غيرُ قولِ العلماءِ، أنَّ آيةِ القَصْرِ نَزَلَتْ في السنةِ الرابعةِ، فاسْتُنْبِطَ منه أنَّ المسافرينَ كانوا يُصَلُّون أربعًا في تلك المدةِ، وليس عندَهُ نَقْلٌ خصوصيٌّ على أنَّ المسافِرِينَ كانوا يُتمُّون صلاتَهُمْ في هذه الأيَّام سِوَى هذا الاجتهادِ، ولهذا لم يُشَدِّدْ فيه، وأَلانَ الكلامَ.
قلتُ: ولي فيما اسَتَدلَّ به الحنفيةُ أيضًا نَظَرٌ، لكنْ لا لِمَا قَالَهُ الحافِظُ كما عَلِمْتَ، ولا لِمَا قَالَهُ بعضُهُمْ أنَّه لو كان الأمرُ كما قالتْ به عائشة رضي الله عنها، لِتَواتَرَ به النَّفْلُ مع أَنَّهُ لا يَنْقُلُه أَحَدٌ غيرُهَا؛ لأنَّه إذا نُسِخَ واستَقَرَّ الأَمْرُ بِخِلافِهِ كيفَ يَبْقَى التواتُرُ بأمرٍ قد نُسِخَ؟ فانْقِطَاعُ