دَخَلَ المصنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالى في شَرَائِطِ الصلاةِ، وصرَّحَ أنَّ التَسَتُّرَ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلاةِ وَفَرَائِضِهَا، خلافًا لبعضِهِمْ حيث قال: إنّه فَرْضٌ في نفسِهِ، سنةٌ في الصلاةِ، والمُعْتَبَرُ في سترِ العَوْرَةِ عند فُقَهائِنَا أَنْ يكونَ بحيث لا يُمْكِنُ النّظرُ فيها، وما ظَهَرَ منها بالتَكَلُّفِ فغيرُ مُعْتَبَرٌ.
قوله:({خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ}) وهذه مِنَّةٌ عظيمةٌ من المصنِّف رحمه الله تعالى على رقابِ النّاسِ.
وعلينا أنّه يَسْتَعْمِلُ القرآنَ في كلِّ مَوْضِعٍ ممكنٍ، وإنْ لم يكنْ رَاضِيَا عن إمامِنَا الأعظم رحمه الله تعالى، وأرى جماعةً من أصحابِ محمدٍ وأبي يوسف رحمهما الله تعالى يروي عنها المصنِّفُ - رحمه الله تعالى في كتابه، ثم لم تَخْرُجْ مَنْقَبَةٌ من قلمهِ للأئمةِ الثلاثةِ فيا للعجب؟
واعلم أنَّ الله سبحانه لَمَا فَرَغَ من ذكرِ آدم عليه الصَّلاة والسَّلام، وقِصَّةِ نَزْعِ اللِّبَاسِ عنه، انتقل إلى مسألةِ اللِّبَاسِ والسَّتْر، وهذا الذي كنتُ أَفْهَمُهُ. ثم رأيت السُّهَيْلي رحمه الله تعالى ذَكَرَ مِثْلَ ما ذَكَرْتُ في ربطِ الآيةِ، وإنّمَا قال {عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} لا: عندَ كلِّ صلاةٍ؛ لأنَّ الصلاةَ في نظرِ القرآنِ ليستْ إلا في المسجدِ، وعليه قوله تعالى:{وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَاّ وَهُمْ كُسَالَى}[التوبة: ٥٤]. فالسِّتْرُ وإنْ كان لأجلِ الصلاةِ لكنَّهُ خَصَّصَهُ بالمسجدِ لما قُلنا، وليس قولُهُ {عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} كنايةً عن الصلاةِ، بل المُرَادُ هو السِّتْرُ عندَ المسجدِ وإن كان لِحالِ الصَّلاةِ، سيَّمَا إِذَا كان الكفّارُ يَطُوفُونَ بالبيتِ عرايا، ففِيهِ رَدٌّ لزعمِ الجاهليةِ، فإنَّهم كانوا يَتَحَرَّجُوْنَ عن دُخُولِهِمُ المسجدَ الحرامَ في ثِيَابِهِمُ التي أَتَوْا فيها كُلَّ مُنْكَرٍ، فَهَدَاهُمُ القرآنُ إلى الأصلحِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَاخُذُوا ثيابَهُمْ عِنْدَ كلِّ مسجدٍ، ثم لا يَخْفَى عليك أنَّ سَتْرَ العورةِ واجبٌ من بَدْءِ الخَلْقِ، وإنّمَا نَزَعَ الثيابَ عن آدمَ عليه السلام تعزيرًا، ولذا اضّطَرَّ إلى سَتْرِ عورتِهِ من الأوراق.
ثم إنَّ لفظَ الزِّينةِ يَقْتَضِي أنْ يكونَ الرجلُ عندَ المسجدِ أَحْسَنَ حالا مما سِوَاه، وبيّنه الحديث والفقه، ففي الحديثِ أنّ عِمَامتَهُ صلى الله عليه وسلّم كانت في صلاتِهِ سبعةَ أَذْرُعٍ، وفي الفقه أنّه يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصلّى في ثلاثِ ثيابٍ، منها العِمامة، أما تركُ العِمَامَة فليس بمكروهٍ عندي، ولم يُصَرِّحْ بالكراهَةِ أحدٌ إلا صاحبَ الفتاوى الدينية، وهو من تصانيفِ علماءِ السندِ، ولا أدري رتبةَ هذا المصنَّفِ. والمحقَّقُ عندي أنّها تُكره في البلادِ التي تُعَدُّ فيها شيئًا محترمًا، بخلافِ البلادِ