للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ وَيَقُولُ «وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ». قَالَ يَقُولُ عَمَّارٌ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ. طرفه ٢٨١٢ - تحفة ٤٢٤٨ - ١٢٢/ ١

٤٤٧ - قوله: (وعمارٌ لبنتين) لَبِنَة عنه ولَبِنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كذا ذَكَرَه السَّمْهُوري.

قوله: (وَيْحَ عمار) قال سيبويه: والفَرْق بين ويل وويح: أَنَّ الأوَّل فيمن يَسْتَحِق الهلاك بخلاف الثاني فهي كلمة رحمة والأُولَى كلمة سَخْط.

قوله: (يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) وفي طريق آخر: «تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ... » إلخ.

قال الحافظ رحمه الله تعالى ما حاصله: أنَّ عمارًا قُتِل بصفين، ومَنْ قتلوه مِنْ أصحابِ معاوية رضي الله عنه كانوا من الصحابة رضي الله عنهم، فكيف يَصدُقُ في حقهم أنَّهم دعَوْهُ إلى النَّار وإنْ صَدَق عليهم أنَّهم كانوا الفئة الباغية.

فالجواب: أنَّهم كانوا ظانِّين أنَّهم يَدْعون إلى الجنَّة وإنْ لم يكونوا كذلك بحسب الواقع، لكنَّهم مَعْذُورون للتَّأول الذي ظَهَرَ لهم لكونِهم مُجْتَهِدين لا لَوْمَ عليهم، فدعاؤُهم إلى مخالفة علي رضي الله عنه وإنْ كان سببًا للنارِ، لكنَّه لم يترتب عليه النَّار لِكَوْنِهِمْ مجتهدين، والمُسَبِّب قد يتخلف عن السبب إذا لم تُوْجَد شرائطه، ولا يجبُ تحققه عند وجودِ السبب مطلقًا.

قلتُ: ولا أَرْضَى بهذا الجواب، لأنَّ هذا العنوان مأخوذ من القرآن، وهو هناك في حق الكفار، ولا أحب أنْ يكون العنوان الذي ورد فيهم صادقًا على الصحابة رضي الله عنهم بعينه، فقال تعالى: {مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} [غافر: ٤١] وقال تعالى: {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٢١] فالوجه عندي أنَّ الكلامَ في حق الأمير معاوية رضي الله عنه، ثم إلى قوله: «تقتله الفئة الباغية»، وصرَّح صاحب «الهداية» في كتاب القضاء: أنَّ الأميرَ معاويةَ رضي الله عنه كان بَغَى على عليَ رضي الله عنه. أما قوله: «يدعوهم إلى الجنة» فاستئْنَاف لحالِهِ مَعَ المشرِكين وقريش العرب، وإشارةٌ إلى المصائبِ التي أتت عليه مِنْ جهةِ قريش، وتعذيبهم، وإلجائهم إياه على أَنْ يَكْفُر بربه فأبَى إلا أنْ يَقُول: الله أحد.

وفيه قلت: باده نوشان غمت داود ومعروف وجنيد جان فروشان درت عمار وسلمان وبلال. فهذه حكاية للقِصةِ الماضيةِ ومنقطعة عما قبلها لا إخبار عن حال قائليه (١).

وأَجَابَ عنه الحافظُ رحمه الله تعالى بنحو آخر وقال: إنَّ هذه الزِّيادة لم يَذْكرها الحُمَيْدِي في الجمع، وقال: إنَّ البخاري لم يَذْكُرها أصلا ثم ذَكَر ما ظَهَرَ له في وجه حَذْفِ هذه القِطعة.

قلتُ: فإن لم تَكُنْ تلك الزِّيادة ثابتة في هذا الطريق فإنَّها ثابتةٌ في الخارجِ بِطُرُق قوية،


(١) قلت: وذكره الحافظ رحمه الله تعالى بعضه احتمالًا ثم نظر فيه أيضًا وهو مندفع عند اللبيب اهـ. منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>