وإنَّما أوردناه نظيرًا على معناهُ المشهور، وإلا فالأمْرُ عندي ليس كما زعموه، وفيه كلامٌ طويل ذكرته في موضعه، وما يدلك على كَوْنِ الثَّلاث صلاة واحدة تَمَيزُهَا بالقراءة مِنْ صَلاةِ الليل، والصَّلاة الواحدة المفردةِ بالاسم المتميزة بالقراء لا يُعرف فيها الفصل، فعند الترمذي وغيره عن ابنِ عباس رضي الله عنهما «كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، في رَكعة رَكعة» اهـ.
ثُمَّ الشَّارع إذا لم يُعْطِ لهذه الواحدة ما يَخْتَص بها مِنْ طريقة، ولم يَذْكُر لها تحريمة على حِدَةٍ نجعلها مما قبلها ونَصِلها بها مشيًا على لفظه متى أردنا الانصراف، ولا نزيد سلامًا من عندنا لأنَّه أَمَرَنَا عند إرادة الانصراف أنْ نوتر بواحدة فلا نَزَيد عليِ شيئًا مِنَ الصَّلام، بل نقوم كما نحن بدون سلام، ولا نعدها صلاة على حِدَة، بل ندعها على حال التَتِمّة من الشَّفَع الذي قبله إلا الأشفاع السابقة قد فُصِلت قبل هذه الإرادة بخلاف هذا الشَّفع الأخير وعليه سَنَحت لنا إرادة الانصراف، وعند ذلك أُمِرْنا بالرَّكعة فنكْتَفِي بما أمرنا ونعدها كالتتِمَّة لما سبق، فتكون موصولة لا مَحَالة كما زيد في صلاة الحضر وكانت تتمة موصولَة لا مَفْصُولة، كذلك تلك الرَّكعة كانت كالتتمة فلا نَفْصُلها.
والحاصل: أنَّه أبرز الواحدة على حِدة فِي العبارة فقط لا على الفَصلِ فِي العمل، وإنما لم يقل: فليوتر بثلاث من أول الأمر، لأنَّ له مكنة أَنْ يوتر بواحدة، أي مثانية شاء فله أنْ يوتر مثناه الأول أو الثاني إلى غير ذلك، فالمقصود هو الإِيتار فِي الآخرِ، ولا بد أنْ يكونَ هناك موتَرًا - بالفتح - ليوتره وهو الشَّفْع، وإذا كان أقل ما يوتره هو الشَّفْع خَرَجَ أنَّ الوتر ثلاث، وإذا كان صلاة برأسها خَرَجَ أنْ لا تَسْلِيم بينها، بَقِي الأحاديث على تصريح الثَّلاث فكثيرة مسرودة في مواضِعها، وإنما أردنا ههنا أنْ نَتَكَلم على ألفاظِ هذا الحديث فقط، ثم قد يتخايل أنَّ الحديثَ يُخالف وجوبَ الوتِر لأنَّه إذا جَاءَ يُصَلِّي مَثْنَى مَثْنَى فإذا بلغ إلى المَثْنَى الأخيرة وهَجَم الصُّبْحِ، يزيد رَكعة واحدة أخرى على نص الحديثِ، ويكون ذلك وترًا لهُ مَعَ أنَّهُ لم يَنْوِ إلا تطوعًا، فإمَّا وهَجَم الصُّبْح، يزيدَ رَكعة واحدة أخرى على نص الحديثِ، ويكون ذلك وترًا لَهُ مَع أَنَّهُ لَمْ يَنوِ إلا تطوَعَا، فإمَّا يلزم أنْ تكونَ هذه مثل صلاة الليل فِي النِّية فينحَط الوتر عن رُتبته، أو تَتَرَقَى صلاةُ الليل عَنْ رُتبتها.
قلتُ: إنَّما عَلَّمَهُ الشارع بهذا الحديث مسألةُ إيتار صلاةِ الليل واختتامها ب، أمَّا مسألة النِّية فكما سلكته الشريعة في سائر الصَّلوات لم يُعْطِ فيها تفصيلا في هذا الحديث، والنِّية عبارة عندهم عن إرادةِ إدخال المسمُّى في الوجود مثلا: أُصلي الوتر أو الظُّهر أو العصرِ، أمَّا كونه فرضًا أو واجِبَاٍ فأمرٌ يَلْحَقُه مِنْ خارج، وليس داخلا في نفسة النِّية، فإذا سَمَّت الشريعةُ صلاةً باسم على حِدَة وبيَّنت صفتها وهيأتا وميَّزَتْهَا عن سائرِ الصَّلوات كفى له في أمرِ النِّية إدخالها في الوجود فقط ناويًا مسمَّى ذلك الاسم، وهو الذي أراده الفقهاء من قولهم: والشَّرط أنْ يَعْلَم بقلبه أي صلاة يُصلِّي، فهذا القَدْر هو المعتبر عندَهُم في النِّية، وإنَّما عَلَّم الشارعُ هذا السائلَ أنَّ وِتْرَه يَتَضَمَّن شَفْعَا ووترًا. والمجموعُ وتره ليكون على علم منه في مستقبل الزمانِ، وليكون على