مَسْأَلةِ الفصل والوصل، والسَّلام وعدمه، وإنَّما أَرَادَت أنَّ صلاة الليلِ إذا كانت مَثْنَى مَثْنَى فكيف صارت وِتْرًا، فَدلَّت على أنَّ الواحدة الأخيرة هي التي تَتَقوم بها صفة الإيتار فهي موترة، وأَوْهَمت عبارتُها الفَصْلَ بالسَّلام ولم يكن مرادها.
ولذا انحلت ثلاث الوتر إلى شفع ووتر، لأنَّ الوترَ في الحقيقة هي الواحدة بمعنى أنَّ صفةَ الإيتار في مثناه إنَّما جاءت من قِبَلِ تلك الواحدة، وأرادت تارة أنْ تُقَسم صلاةَ الليل إلى حِصَص لإظهار الوَقْفَة في البين كأربع أربع، أو بين صلاةِ الليل والوتر، وإذن كان محط كلامها إفراز حِصة حصةٍ لا بيان الشَّفْعية والوتْرِيَّة كما كان في الصورة الأولى، فلم تحل الوتر إلى جزءين. وقالت: يُصلِّي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن» إلى أن قالت: «ثم يصلِّي بِثلاث»، ونزلت تارة على التصريح بِمَسْأَلة السَّلام فصدعت أنَّه لم يكن يُسلم في رَكعتي الوتر كما عند النَّسَائي، فوقعَ الأمر أنَّه كما رَجَحَت كفة طاشت الأخرى فليعتبره.
ثم اعلم أنَّ الأصل الذي لا محيد عنه أَنَّ أمرَ الفصل والوصل يدور على وَحْدة الصَّلاة وتعددها، وهو يدور على تسميتها باسم مُخْتَص، والوتر عندنا اسم لثلاث رَكَعَات بسلام واحد، وجَعْل الشَّفْع السابق من الوتر مع الفصل بِسَلام لا يَرْجِع إلى حقيقة، فإنَّ مَنْ فَصَلَ وسلَّم فقد أَوْتَر في الحقيقة بركعة واحدة، وإطلاقُ الوترِ على ثلاث ركعات على هذا التقدير مجرد اعتبار ذهني، لأنَّ حال هذا الشَّفع حينئذٍ كحال الشفعات قبله لا فَرْقَ بينه وبينها، فإنْ ثبت أنَّ الوتر عبارة عن ثلاثِ رَكَعَات لَزِمَ أَنْ تكون تلك الواحدة موصولة بشفعها، لأنَّها لو كانت مفصولة كانت هي الوتر ولا يبقى لها علاقة مع الشَّفع الذي قبلها.
اللهم إلا باعتبار الذهن، وإنْ ثَبَتَ اأنَّه عبارة عن رَكعة وَجَبَ أنْ تكون مفصولة قطعًا فإنَّها هي الصَّلاة المعتبرة الموسومة باسم مُسْتَقِلَ على هذا التقدير، فلا معنى لاعتبار الشُّفْعَة السابقة معها، وعليه يدور حديث «مِفْتَاح الصَّلاة الطُّهور، وتحريمها التكبير وتحليلها التسلم». يعني أنَّ الصَّلاةَ الواحدةِ تكون لها تحريمة تَدْخُل بها فيها، وتحليلا تخرج عنها، فإذا كَبَّرْتَ فقد دخلت في الصَّلاة، وإذا سلَّمْتَ فقد خرجتِ منها، فإذا كانت الصَّلاة واحدة تكون تحريمتها وتحليلها أيضًا كذلك، لا أنَّها تَبْقَى واحدة، ولو سَلَّمْتَ في خلالها فالصَّلاة الواحدة لا تَتَحمل إلا تسليمة واحدة كما لا تَتَحمَّل إلا تحريمة كذلك، وحينئذٍ لو سَلصمتَ فِي ركعتي الوتر لا تكون المجموع صلاة واحدة، فَأَمْر الفصل والوصل يبْني على وحدة الصَّلاة، لا على هذه التعبيرات التي جاءت على ملاحظ مختلفة.
وإذن حديث:«إذا خَشَى أحدكُم الصُّبْح صلى رَكعة واحدة توتر له ما قد صلى»، على شاكلةَ ما عندَ الطَّحاوي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:«مَنْ أَدْرَكَ من صلاةِ الغداة رَكْعة قبل أنْ تَطْلَعَ الشمس فليصلّ إليها أخرى». فهل ترى تلك الرَّكعة مفصولة أو موصولة فكما أنَّ تلك الرَّكعة موصولة لأنَّها اعتُبرت جزءًا من صلاة الغَداة وهي صلاة واحدة مُسَمَّاة باسم منفرد، كذلك الركعة في قوله:«صلى رَكعة واحدة» موصولة مع الشَّفْع الذي قبله لكونها جزءًا لصَلاةٍ واحدة مسمَّاة باسم الوتر، وهو ثلاث رَكعات عندنا.