للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرِّوايات أيضًا، وروى: أنَّه شيطان. ولعلَّ فيه معنى الإِيذاء وغيره. ما ليس في غيره، وهكذا سمعنا من الراقيين أَنَّهم يطلبون الكلب الأسود، وسمعنا أَنَّ الجِنَّ يظهرون ويتشكلون بشكل الكلب الأسود، وإنَّما جزم بالقَطْعِ فيه لأنَّه لم تَرِد فيه مادة في الجانبِ المُخَالِف، وتردد في قطع الحمار لأنَّه رُوِيَ فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّه جاء على أتان، كما مَرَّ الآن ولم يَقْطَع ذلك صلاته، ولذا قال فلم ينكر ذلك عَليَّ.

وكذلك تردد في المرأةِ (١) لأنَّه ثبت اعتراض عائشة رضي الله عنها بين يَدَيه وهو يُصلِّي، أمَّا الكلب فلم يَرِدَ فيه شيء بخلافِه فَجَزَم به.

قلت: وفي «الدر المنثور» أنَّ هؤلاءِ الثَّلاثةِ لا يُسَبِّحون، وروى في حديث صحيح (٢) الاستعاذة عند نَهِيقِ الحمار، فهؤلاء كالميت غافلون عن الذِّكْرِ فاعتراضُها حال الصَّلاة التي هي الذِّكْر الأكْبَر عُدَّ قاطعًا لها، ولذكر الله أكبر. ولعلك عَلِمْتَ مِنْ هذا البحث أَنَّ السُّتْرَة يجب أَنْ يكون واجبًا وهو مذهب الشافعي رحمه الله واستحبه الحنفية.

قلت: كيف وَوَرَدَ الوعيد في تَرْكِها (٣) فليتَ الحنفية اعتبروها أزيد مما في كتبهم (٤). ولا يخفى أَنَّ الراوي قد يَتَعَرَّض إلى الخُصُوص لتردد فيه، فيُرِيد أَنْ يُشْهَرَ أمرُهُ ويُنوَّهُ ذكره كما فعل ههنا، فلعلَّ النَّاسَ تهاونوا فيها فأَرَاد بتعرُّضِه إليها أَنْ يَهْتَم بها النَّاس وهكذا فَعَله ابنُ عمر رضي الله عنهما في رفع اليدين، فَتَعرَّض في حديثهِ إلى الرَّفع في الموضِعين خاصة، وتَعرَّض إلى نفيهِ في السُّجود خاصة، وخَصَّصَهُ بالذِّكْرِ مِنْ سائِر أَفْعَال الصَّلاة، فَدَلَّ على أَنَّ في مض لمطمعًا، والشافعيةُ غفلوا عنه أو تَغَافلوا فإِنَّ الحديثَ يَضُرهم مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى لدلالته على أَنَّ أَمْرَ الرفعِ صار خاملا في زَمَنِه إلى أَنِ احتاج إلى إِثباتِه وتأكيدهِ وتَشْهِيرهِ، وإلا فَمنْ يَتَعرَّض إلى أمر مُسَلَّم بين النَّاس، فذقه أنت فإِنْ كان الأمرُ كذلِك فمن أخمله إلا الصحابة رضي الله عنهم، وهل كان إذ ذاك غيرهم فانْظُر ماذا ترى.

٤٩٥ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِى جُحَيْفَةَ قَالَ سَمِعْتُ


(١) وعند أبي داود عن ابنِ عباس رضي الله عنهما قال: "تقطع الصَّلاة المرأة الحائضة"، وفي رواية أخرى: "يَقْطَع صلاته الكلب والحمار والخنزير واليهودي والمجوسي والمرأة .. الخ" ففي الرواية الأُولى قَيَّد الحائضة وفي الثانية ذكر بعض أشياء أُخر أيضًا.
(٢) أخرجه الترمذي في الدَّعوات في باب ما يقول إذا سمع نهيق الحمار.
(٣) فعند أبي داود في باب ما يَقطع الصَّلاة - عن يزيد بنِ عِمْران قال رأيتُ رجلًا بتبوك مقعدًا فقال: مررت بين يدي النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وأنَا على حِمَار وهو يُصلِّي فقال: "اللهم اقطَع أثره" فما مشيت عليها بعد.
(٤) قلت: ويَظْهَر الجواب للحنفية رحمهم الله تعالى بما ذَكَرَهُ الشيخ فيما مَرَّ أنَّ الوجوب والحرمة لا يَعْتَمِدَان على الأنْظَار المعنوية فإنَّ النَّوم في الجَنَابة يُوجِب الحرمان وكذا ترى التسمية قَبْل الوضوء وقُبيل الأكل، كله يوجب الخُسران إلا أنَّ الحنفية رحمهم الله تعالى لم يقولوا بوجوبِ واحدٍ منها، وذلك لِفُقْدان دليل الوجوب عندهم وهو أمر الشارع، غير أنَّه وَرَدَ الوعيدُ على التارك في باب السُّتْرَة، وهو أعلى ما يَثْبُت به الوجوب، ولذا لم يجب به الشيخ رحمه الله تعالى ههنا، فافهمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>