خمسه. وصرَّح الشامي منَّا في «شرح قِصة الدَّجال» والتقدير في يومِهِ الطويلِ للصلوات: أنَّه يُصليها إذا بقي خمس النَّهار أو سدسه. فلم يَبْق بين الإِمامين فَرْق كثير، ولكنَّ المشغوفون بالخلافِ يتعسر عليهم التقريب، فيجعلون الخلافَ على طرفي نَقيض فإِذا نُقَّحَ وحقَّق هان، لأنَّه لم يَبْقَ إلا بسدس النَّهار فتشكر. وعند أبي داود في باب الجمعة مرفوعًا: أنَّه قال يومُ الجمعةِ ثنتا عَشْرَةَ، يريد ساعة لا يُوجد مُسْلِمٌ يسأل الله شيئًا إلا أتاه الله عز وجل، فالتمسوها آخِرَ ساعةٍ بعد العصر.
وهذا الحديث وإِنْ لم يُسق لهذه المسألة عبارة لكنَّه دلَّ على أَنَّ التَّأْخِير مُسَلَّمٌ في ذهن المُتَكَلِّم حتى ينبع مِنْ أَطْرافِ كلامِه، ويُعلم منه كأنه مفروغ عنه عنده فكأنَّه أَدَّاهُ كالعلم الحُضوري لا يغيب عنه، كذلك التأخير بالعصرِ ههنا فإِنَّه مُتكلم في باب آخر، والتأخيرُ لا يَزال يَخْرج من عَرْضِ كلامِه كالعِلم الحضوري لا يذهل عنه، وعند الترمذي عن أم سَلَمة كان رَسولُ الله صلى الله عليه وسلّم أشدَّ تعجيلا للظُّهر منكم، وأنتم أَشدُّ تعجيلا للعصر منه، وبوَّب عليه الترمذي بتأخيرِ العَصْرِ واستدل الإِمام محمد بما أخرجَهُ هو، وأخرجه الشيخان: إنَّما أجلكم فيما خلا مِنَ الأُمم كما بين صلاةِ العصر إلى مَغْرِبِ الشمس، وفي الحديث «أنا والسَّاعة كهاتين».
فدلَّ على أنَّ وَقْتَ أَمَّتِه أَقل قليل، فلا يكونُ مِنْ صلاةِ العَصرِ إلى الغُروبِ إلا وقتًا قليلا، وهو محمول على المبالغةِ، وإلا فهو دالٌّ على أزيد من التأخير الذي أَرَدْنَاهُ وسيأتي الكلام فيه.
الفائدة الأولى: في ذِكْرِ الآيات التي فيها الإِيماء إلى الصَّلواتِ الخمس. واعْلَم أَنَّ المفسرينَ تعرضوا إلى عد الآيات التي فيها إيماء إلى الصَّلواتِ الخمس، وهي عندي عدة آيات على ملاحظ مختلفة، واعتبارات شتى، فمنها قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨)} [الروم: ١٧ - ١٨] ومنها قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ الَّيْلِ}[هود: ١١٤] ومنها قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ وَقُرْءانَ الْفَجْرِ}[الإسراء: ٧٨] ومنها قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (٤٠)} [ق: ٣٩ - ٤٠].
فَذَكَر الصَّلوات الخمس في الآية الأولى في أربعة ألفاظ، فبدأ أَوَّلا بِذِكْرِ طرفي النَّهار وهو الصَّباح والمَساء، فدخلت صلاة الفجر في قوله {وَحِينَ تُصْبِحُونَ}، والمَغْرِب والعشاء في قوله {حين تمسون} لأنَّ المساء صالحٌ للعشائين، أمَّا صلاة العصر والظهر فَذَكَرهما في قوله:{وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} وذكرها في الآية الثانية في لفظين فقط أي طرفي النَّهار والزلف، وطرفا النَّهار هما نصفاه، فالصبحُ في نصف، والظهر والعصر في نصف آخر، أمَّا العشاءان فأدرجهما في الزُّلَف، وتمسك منها الحافظ مُغْلَطاي على وجوب الوتر، بأنَّ الزُّلَف صيغة جَمْع، وأقله الثلاث، فلا بد أَنْ تكونَ هناك صلاة ثالثة وهي الوتر، وقال الحافظُ رحمه الله إِنَّه تشديد من مُغْلَطاي وليس في الآيةِ ما يدلُّ عليه، ولم يِقْدِر على جوابه.
قلت: الْحافظُ وإنْ عَجَزَ عن الجوابِ لكِنْ أقول أنا: لا دليلَ في الآيةِ المذكورةِ على وجوب الوتر، أَمَّا جمعية الزُّلَف فهي باعتبارِ وقوع العشاء في هذه الحصة تارة، وتارةً في