ولهذا المعنى لمَّا ذَكَر أَنَاء الليل أَدْخَل عليه "مِنْ" التبعيضية ليُعْلِم أَنَّ اللهَ يُرِيد بكم اليسر، ولا يُريد بكم العسر، وإنَّما لم يَقُل مِنْ أَطْرَاف النَّهار، لأَنَّ الطَّرَف مِنْ لفظه يدل على التبعيض، فإِنَّ طَرَف اسم لجُزْءٍ مِنَ الشيء إِمَّا في الأَوَّل أَوْ في الآخر، ولذا قال: {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} ولم يقل مِنْ آناءِ الليل وأطرَاف النَّهار. فهذه نِكَات وَرَشَحَات سَنَحَتْ لي وقت التحرير بدون كثير تفكر، فَذَكرْتُها على قَدْرِ عِلْمي {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: ٧٦] والقرآن مما لا تَنْقَضي عجائِبُه. (١) فعند الطَّحاوي: عن عبدِ الله بنِ محمد بن عَقِيل قال: سمعتُ جابرَ بنَ عبدِ اللهِ يقول: كان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يؤَخِّر الفجر "كاسمها". وعنده عن أبي قِلَابة أَنَّه قال: إِنَّما سُميَتْ العصر لتعصر وإنَّما كانت العرب تسمي العِشاء العَتْمَة، لأَنَّها كانت ساعة يعتمون فيها الإبل على أَنَّ قوله تعالى: {حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: ١٧] {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: ١٨] يَدلُّ على أَنَّه إحالة على ما هو المَعْرُوف عِنْدَهم مِنَ الأوْقَاتِ.