للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجَمْع بين الصَّلاتين، فإِنَّه وقتيٌّ عندهم، كذلكَ يكونُ الجمعُ عند الحنفية أيضًا وقتيًا على هذا التقدير.

قلتُ: كلا، فإِنَّ الجمعَ الوقتي عندهم: هو تقديم إِحدَى الوقتيتين في الوقت المخْتَص للأخرى، أو تأخيرُها إلى الوقتِ المُخْتَص بتلك؛ والحنفيةُ لا يقولون به، فلا يجوزُ العصر عندَهم في المثل الأَوَّل لا في السَّفرِ ولا في المطرِ، ولا يجوز الظُّهْرُ في المثل الثالث كذلك، فتفَارَقا.

فإِنْ قلت: يُخَالف الاشتراكُ قولَه تعالى: {كتابًا موقوتًا} [النساء: ١٠٣] قلتُ: وماذا فهِمْتَ مراده، وهل فيه توقيت بحسب ظنِّك، أو كما وقَّتَه النَّبي صلى الله عليه وسلّم؟ فإِنْ كانت «موقوتًا» بمعنى أنَّه وقَّت لها سبحانه وقتًا وبينه رسولُه، فليراجع له إلى ما بينه النبي صلى الله عليه وسلّم فإِنْ كان بالاشتراك فهو موقوتٌ بالاشتراك، وإن كان بالافتراق فكذلك.

أمَّا مثل قوله صلى الله عليه وسلّم «وقت الظهر ما لم تحضر العصر» فهو أيضًا لا ينفي ما قلنا؛ فإِنَّ المراد به وقت الظهر المجموع، يعني مع الوقت المُخْتَص وغيره، ومن العصر وقته المُخْتَص، ثُمَّ إذا ظَهر اختلافٌ بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم وتحقق عندَك خِلافٌ بين الأئمةِ، فإِيّاك وأَنْ تَظُنَّ في هذه المواضع أَنَّ القرآن أَو الأحاديث في يد أحد الطرفين، فإِنَّ القرآن إذا لم يَحْتَمله والأحاديث خالَفته، كيف يَسُوغ لمِثل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومِنَ الأئمةِ مثل مالك رحمه الله تعالى أَنْ يقولَ بما ليس له أَثرٌ في الدِّين بل نصٌّ بخلافِه، فلو كان معنى الموقوت ما كنتَ تَظنُّه لَمَا ذهبَ إليه مالك رحمه الله تعالى وجماعةٌ مِنَ السَّلَف، فخفض عليك شأنَك، ولا تُسْرِع في ردِّ ما لم تَسمعهُ أُذُنَاك؛ فإِنَّه ليس من العِلم وإنَّ مِنَ العِلم لجهلًا.

تنبيه: واعلم أَنَّ السَّرَخْسي نبَّه على أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ ليس إلى المِثل فقط عند صاحبيه، بل يَبْقَى بعدَه شيئًا أيضًا فكان وَقْتُ الظُّهرِ عندهما مِثلا وشيئًا، لا كما هو المشهور عنهما، أَنَّه إذا صار المِثل فقد دَخَل وقتُ العصرِ وخرجَ وقتُ الظهر (١). إذا أتقنت هذا، فاعلم أنَّ حديث جبريل لا يَصدُق إِذَن إلا على مذهب الحنفية، لأَنَّه ليس فيه إلا تَعْجِيل الصَّلوات كلِّها في اليوم الأول، وتأخير كلها في اليوم الآخر مع إبقاءِ الفَاصلة بينهما، فإِذا صَلَّى الظهر في اليوم الأول حين زالت الشمس صلَّى العصر على المِثل وعَجَّلَ فيها أيضًا، ثُمَّ إذا أَخَّرَ الظُّهْرَ في اليوم الثاني وصلاها في المِثل الثاني أَخَّر العصرَ أيضًا وصلاها بعد المثلين وهذا عينُ مذهبِ الحنفية على ما حققت.

وحديث جبريل صريحٌ في الاشتراك حيث صلَّى العصرَ في اليوم الأَوَّلِ حين صار ظلُّ كلِّ


(١) قلتُ وراجعت "المبسوط" فلم أجد فيه ما ذَكَرَهُ الشيخ فقلتُ له: إني ما وجدتُ فيه ما ذَكَرتَ، فقال لي: فيه ذلك فراجع، فما رجعت إليه بعد ولا وجدت فرصة، نعم ظاهر "الموطأ" أيضًا يُشير إليه، قال محمد: فإِنَّا نقول: إذا زَادَ الظِّلُّ على المِثل فصار مثل الشيءِ وزيادة من حين زالت الشمس، فقد دَخَلَ وقتُ العصرِ. وهذا قريبٌ مِنَ الصَّريح فيما أَظُنّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>