للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مسألةِ الوقت بل لبيَانِ ما ينبغي في العمل، وهو الفاصلة بينهما، فينبغي ألا يصلِّيها جميعًا بل يَجْعل بينهما فاصلة، فإِن صَلَّى الظُّهْرَ في المِثل، عليه أَنْ يُصلِّي العصر في المثل الثالث، ويُهْمِل المِثل الثاني في البين؛ ومعنى الإِهمال إهماله عملا، وإِنْ كان في الحقيقة أَقرب إلى الظُّهْرِ لكنَّه إِنْ أَدْخَل فيه العصر تارةً يكون متحملا أيضًا.

وأما الرَّابعة فلبيانِ أنَّ تلك الفاصلة غير متَعيّنة، فيجوز أَنْ تكون بقَدْرِ المِثل الثاني، أو بما دونه كما أشير إليه بالرابعة، ولا استغراب (١) في القولِ بالاشتراك، فإِنَّه ذهب إليه جماعةٌ من السَّلف كما في الطَّحاوي وهو مَذْهَبُ مالك رحمه الله تعالى ورواية عن الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى، وهو الذي تُشْعِر به مسائلهم فإِنَّهم قالوا: مَنْ طَهُرَت في آخر العصر يلزمها قضار الظُّهر أيضًا، وكذا مَنْ طَهُرَت في آخر العشاء تَقْضِي المَغْرِب أيضًا، ولولا الاشتراك لَما قالوا بقَضَاءِ الظُّهْر والمغرب بطهارتها في العصر والعشاء.

ونقل الحافظُ في «الفتح» عن ابنِ عباس وعبدِ الرحمن رضي الله عنهم مثلَه، فظهرَ الاشتراك شيئًا في سائر المذاهب. لا يقال: إنه يؤول إلى مذهب الشافعية رحمهم الله تعالى في


(١) وهذا الجواب مما لم تَزَل نفسي تَضْطرِب فيه حتى أني راجعت فيه شيخي مِرَارًا، ولكن لم يَتَحَصَّل لي منه من يُسَكِّن به جأشي وأين كان مثلي يدرك مدارك الشيخ رحمه الله تعالى وكان له جد على هذا الجواب وكان يقول: إنَّ الحافظَ العيني رحمه الله تعالى أَيضًا ذَكَرَ بعضَهُ فلمَّا رَتبْتُ هذه الأوراق أَوْغَلْتُ في طلبهِ حتى وجدته. قال العلَّامة العيني رحمه الله تعالى في باب تأخير الظُّهْر إلى العصر، في ذيلِ الجواب عن أحاديث الجمعِ بين الصَّلاتين.
قلت: الجواب عن الأول: أَنَّ الشفق نوعان أحمر وأبيض، كما اختلف العلماء مِنَ الصَّحابة وغيرهم فيه. ويُحْتَمل أَنَّه جَمَعَ بينَهما بعد غياب الأَحْمَرِ فيكون المغرب في وقْتِها على قولِ مَن يقول: الشَّفق هو الأبيض، وكذلك العشاء يكون في وقتها على قول مَنْ يقول: الشفق هو الأحمر، ويُطْلق عليه أَنَّه جَمَعَ بينهما بعد غيِاب الشفق، والحال أَنَّه صلَّى كلَّ واحدة منهما في وقْتِها على خلافِ القولين في تفسير الشَّفق وهذا مما فَتَح لي مِنَ الفيض الإِلهي، وفيه إبطال لقول مَنِ ادَّعى بطلانَ تأويلِ الحنفية في الحديثِ المذكور.
والجوابِ عنِ الثالث: أَنَّ أَوَّل وَقْتِ العصرِ مختلفٌ فيه كما عُرف، وهو إما بصيرورةِ ظِلِّ كل شيءٍ مثله أو مثلَيهِ، فيحتمل أَنَّه أخَّر الظُّهْرَ إلى أَنْ صار ظلُّ كلِّ شيءٍ مثله ثُمَّ صلَّاها وصلَّى عَقيبها العصر، فيكون قَدْ صلَّى الظُّهر في وقْتِها على قول مَن يرى أَنَّ آخر وقت الظُّهْر بصيرورة ظلِّ كلِّ شيءٍ مثْلَيه، ويكون قَدْ صلَّى العصر في وقْتِها على قَولِ مَن يَرَى أَنَّ أَوَّل وقْتِها بِصيرورة ظلِّ كل شيءٍ مثلَيه -لعله مثله- ويَصْدُق على مَنْ فعل هذا أَنَّه جَمَعَ بينهما في أول وقتِ العصر، والحال أَنَّه قد صلَّى كل واحدة منهما في وقْتِها على اختلافِ القولين في أَوَّل وقتِ العصر، ومثل هذا لو فعل المقيم يجوز، فضلًا عن المسافر الذي يحتاج إلى التَّخْفِيف.
قلتُ: وهذا كما تَرَى قريبٌ مما ذَكَره الشيخ رحمه الله تعالى غير أَن الجمع في المِثل الثاني عند الشيخ رحمه الله تعالى على المَذْهَب فإِنَّ المِثل الثاني عندَه صالحٌ لهما، وحينئذٍ لا يحتاج إلى تجشم أخذ وقت الظهر على رواية ووقت العصر على رواية أُخرى والجمع المذكور عند الحافظ العيني رحمه الله تعالى باعتبارِ الجَمْعِ بين الروايتين في الظهر والعصر، وليست تلك عند الشيخ رحمه الله تعالى روايات، بل عبارة عن معنى واحد ذكرت منه حصة حصة، وهذا بناء على ما عَلِمْت عن أصله، أَنَّ الجمعَ بين أحاديث النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كان جائزًا فذاك بالأَوْلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>