للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لمَّا كان ناقضًا لطهارة المعذور عندنا كيف أمر المستحاضة أَنْ تَجْمَع بين الصَّلاتين في غُسل واحد، لأنَّه يُوجب عندنا أَنْ تكونَ صلاتُها الثَّانية في حالة الحَدَث.

والحل عندي: أَنَّه أَمَرها بالجمع في الوقت الصَّالح لهما، ومسألة النقض بالخُروج أَوْ الدُّخول فيما خرج الوقت المختص، أو دَخَل الوقت المختص، أمَّا الوقت الصالح لهما فلا كَلامَ فيه وما أَخْرَجَه أبو داود في باب الاستحاضة. والوضوء فيما بين ذلك، حمله بعض الأَعلامِ على ذلك وفَهموا أنَّ المرادَ به الوضوء فيما بين الصَّلاتين لانتقاضِ طهارتها بعد الصَّلاة الأُولى، وهو عندي للحَوائجِ الأُخر، يعني أَنَّه علَّمَها الغُسل لصَلاتِها، فإِنِ احتاجَت إلى غيرها لحمل المصحف، فإِنَّها تَكْتَفي بالوضوء فهذا الوضوء لحاجاتٍ تعتري لها فيما بين ذلك إذا انْتَقَضَتْ طهارتها، وكان تعليمه أيضًا مهمًا وهذا الذي وَعَدْنَاك في باب الاستحاضة في أَمْرِ طهارتِها، فإِنْ سَمَحَت به قريحتُك فهذا سبيلُ الجواب، وإلا كَفَاك رواية أبي داود على الشرح المشهور، ولا رَيْبَ أَنَّ اللفظَ يحتمله أيضًا.

أمَّا ما قلت إنَّ الرِّوايات كلها تشير إلى معنى واحد وكلها شطر للمراد فبأن الرواية الأولى تدل على أَنَّ المِثْل الثاني للظهر، وَدَلَّتِ الثانية على أَنَّه وقت للعصر أيضًا فلزم القول (١) بالاشتراك. وعُلِمَ أَنَّ المِثل الثاني صالح لهما، ولمَّا لم تَقَع العصر في المِثل الأَوَّل والظُّهر في المِثْل الثالث قَطْ لَزِمَ أَنَّ المِثل الأَوَّل وقتٌ مختصٌّ بالظُّهْرِ والثالث بالعصر بحيث لا تَصْلح إحداهما في وَقْتِ الأُخْرى، وأمَّا الرواية الثالثة مِنْ أَنَّ المِثل الثاني وَقْتٌ مُهْمَلٌ فلم تجيء لبيانِ


= الغُسل، وهذا أحسن ما تَقْدِر عليه تلكَ المرأة في صلاتها. فإِنْ قال قائل فلم أمرت أَن تصَلِّي الصَّلاتين في وقت الأخيرة منهما، ولم تُؤمَر أَنْ تُصَلِّي في وقت الأُولى منهما. قيل له: لمعنيين أَمَّا أَحدُهما فلأَنَّها لو صَلَّتْهما في وقت الأُولَى منهما لكانت قد صَلَّت الأخيرة منهما قَبل دخولِ وقتها، والآخر أَنَّها إِذا دَخَل عليها وقتُ الأخيرة منها وَجَبَ عليها الغُسل، فتكون به طاهرة إلى آخرِ ذلك الوَقت، وتكون إذا صَلَّت فيه الصَّلاتين جميعًا صلَّتْها وهي طاهرة. انتهى باختصار.
قلت: قد تَكَلم الطَّحاوي على أحاديث المُسْتَحاضَة في "معاني الآثار" مَبسوطًا جدًا ما بَسَطَ مثلَه إلا في باب الوتر وبعض أبواب أُخر، لكِنْ لِدِقَّتِهِ وغموضِهِ لم أفهمه.
وهذا الكلام وإِنْ كان مختَصرًا لكن ظاهرُه على ما أَفْهَم أَنَّه حَمَلَهُ على جَمعِ التأخيرِ وقتًا، فلينظر الحنفية مسائلهم أنهم هل يلتزمون ذلك. ثُمَّ العجب أَنَّ الطَّحاوي لم يَتَكَلَّم فيه كأَنَّه رأى منه، بل ظاهره أَنَّه مِن جانبِ المذهب، وإلا لناسَب له أَنْ يُنبِّه عليه كما يَفْعَل في "معاني الآثار". وكذلك لا أَفْهَم ماذا أَرَاد من ثاني الوَجْهَين في دفع الإِيرادِ، وإنَّما نَقَلْتُ كلامَهُ لأنَّه حامل لواءِ مذهب الحنفية، فلينظر فيه العلماء على قَدْرِ عِلْمِهِم فَرُبَّ مبلغ أوعى من سامع والله تعالى أَعْلَمُ بالصَّواب.
(١) قلت: وما يَدلُّك على ثُبوتِ الاشتراكِ عند البعض ما حكاه العيني في باب صلاة العصر ناقلًا عن "مغني ابن قدامة" عن رَبيعةَ أَنَّ وقْتَ الظُّهْر والعصر إذا زَالت الشمس وعن عَطَاء وطاوس إذا صار ظلُّ كلّ شيءٍ مثلهُ دَخَلَ وقت الظُّهْرِ، وما بعدَهُ وقتٌ لهما على سبيلِ الاشتراكِ حتى تَغْرب الشَّمْس -القول لعلَّه العصر- وقال ابن رَاهويه، والمُزْني، وأبو ثَور، والطبراني: إذا صار ظِلُّ كلّ شيءٍ مثلهُ دَخَلَ وقت العصر، وَيبْقَى وقْتُ الظُّهْر قَدْرَ ما يصلى أربع ركَعات ثُمَّ يَتَمَحض الوقت للعصر، وبه قال مالك. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>