صَيْرورَة الظِّل مثلَيْهِ فإِنَّه حينئذٍ يَزيد وقتُ الظُّهْر أي مِنَ الزَّوال إلى المثلين على وَقْتِ العصرِ أي من المثلَين إلى الغُروب وإِنْ كان ابتداء العصرِ من المِثل كانا متساوِيين ولم يصح قولهم نحن أكثرُ عملا.
وتعقب عليه ابن حزم أَنَّ الوقتَ في المِثل يمضي أزيد من بقيةِ الأمثال كلِّها فلو كان وَقْتُ العصرِ من المِثل لبقي وَقْتُ الظُّهْرِ أزيدَ من بقيةِ الأمثال، وصحَّ قولهم نحن أكثر عملا.
قلتُ: وما قالَهُ صحيح إلا أنَّ هذه الزِّيادة لا تَظْهَر إلا في نظر الرياضيين، ولا يأتي التشبيه في مثل هذه الأمورِ الغامضة التي قَلَّمَا يُدْركها أحدٌ مِنْ أَهْلِ العُرْفِ، فلا بُدَّ أَنْ يكونَ في وَقْتِهم زيادة تصلح لكونها مُشَبَّهًا بها، ولا تكونُ إلا إذا زَادَ الوقتُ على المِثْل زيادة، على أَنَّ محمدًا رحمه الله تعالى إنَّما استشهدَ بهِ على مسألةِ استحْبَابِ تأخير الظُّهْرِ لا على المِثلين.
قلتُ: وحديثُ ابنِ عمر رضي الله عنه عندي يحتوي على أَمْرَين مُستَقِلَّين:
الأول: بيان قِلَّة زمانِ هذه الأمة بالنِّسْبَةِ إلى الأُمم السالفة.
والثاني: التشبيه، وهما قِطعتان مستقلتان ليست إحدَاهُما تفسيرًا للأُخرى لِما بينهما من المُغَايَرة، تتضحُ بعدَ النَّظَرِ في سياقِهما، وقد بَلَغَ معنى القِطعة الأُولى مبلغَ التواتر، كقوله:«أنا والساعة كهاتين». فإِذا عَلِمْنَا أنَّ زمانَ هذهِ الأمة أقلّ قليل بالنِّسبةِ إلى الأُممِ وقدَّره بعضهم: بسدس النَّهار - لم يَبْقَ ريب في أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ أَزيدُ من المِثل، بحيث لا يَبْقَى بعدَه للعصرِ إلا بقَدْرِ السُّدس كما ذَكَرهُ ابن عابِدِين في مسألةِ أَهْلِ البُلغاء، أو بقَدْرِ خُمس النَّهار كما في «الفتح». فحديثُ التمثيل وإِنْ لم يَكُن حجة لنا إلا أَنَّ لِلقِطْعَة الأولى بعد النَّظَرِ إلى الخارجِ حجة لنا قطعًا: أَمَّا لمحمد فظاهر وأمَّا للقاضي فأيضًا ممكن (١).
قوله:(قيراطين قيراطين) والإِعرابُ فيه عندي باعتبار المجموعِ، لأنَّ المعاني المعتورة أيضًا على المجموع إلا أَنَّ كُلَّ كلمةٍ لمَّا كانت صالحة للإِعراب ظَهَر الإِعراب فيها، كما قرروا في: عبد الله، حال كونِه عَلَمًا ومضافًا إليه.
قوله:(هو فضل أوتيهِ من أشاء) قال المتكلمون: إِنَّ المُحال هو الترجح بلا مُرَجِّح دون الترجيح بمرجِّح، فالله سبحانه يَفْعَلُ ما يشاء، ويَحْكُم ما يريد، والمرجِّح إرادتُه ومشيئتُه، ولا حاجةَ بعدَهُ إلى مرجِّح آخر في جانب المقْدُور.
(١) قال الشيخُ رحمه الله تعالى في تعليقاته على آثار السُنن: ينبغي أَنْ يكون تَمسُّك الحنفية بقوله: "إنما أجلكم ... الخ" لا بقوله: وإنما مثلكم اهـ. وهما قضيتان كما في "الفتح" والمثل الثاني إنَّما هو بالنَّظر إلى اليهود والنصارى، فَجعل اليوم بينهم وبين المسلمين لا بالنَّظر إلى كلٍ من الأمم، وإلا لم يَبْق اليوم لهؤلاء، فَذَكَر في المثل الأول قُرب أَجَلِنا، وفي المَثل الثاني إِعراضهم أي اليهود والنَّصارى فقط وإسلامنا. والأمرُ الأول حجة للحنفية في تأخيرِ وقت العصر أو أدائه، ولا يَنْتَهِض بَحْثُهم في أقلِّية العطاء، وأكْثَرِيَّة العمل. وأيضًا لا يَسْتَقيم أكثرية العمل من النصارى إلا بالنَّظر إلى طولِ الأعمار طولًا بينًا، وهو بالزيادة على المثل، وقد اعْتَرَفَ به الكِرْمَاني كما في "العمدة" اهـ. هكذا فيما نَقَلْتُ من تعليقاتِه حين قراءتي عليه بدار العلوم بديوبند.