٦٥٠ - (دَخَلَ عليَّ أبو الدَّرْدَاء) كان عمر رضي الله عنه بَعَثَ الصحابةَ رضي الله عنهم إلى النواحي، ونَصَبَهم على مناصب خاصة فبعث أبا الدَّرْدَاء نحو الشام للتعليم، ونَصَبَ ابن مسعود رضي الله عنه على تولية بيت المال، وعَمَّارًا رضي الله عنه لإِمامة الصلاة، وسعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه للإِمارة على الكوفة. وكان عمر رضي الله عنه جَعَل الكوفة والبَصْرَة معسكرًا. (جهاؤني). وفي «فتح القدير»: أن قريته قَرْقِيسَة نَزَل فيها ست مئة من الصحابة رضي الله عنهم.
وبالجملة كان الصحابةُ قد تفرَّقوا في النواحي والبلاد لإشاعة الدين، وتبليغ كلمة الإِسلام، ونشر الأحكام، فلو كان المالكية يَفْتَخِرُون بأن إمامهم من أهل المدينة معدن العلم، فلا نُنْكِرُ فضلهم في ذلك، غير أن أكثرَ الصحابة رضي الله عنهم كانوا نحو العراق، وهناك دُوِّن النَّحْوُ.
قيل إن بَدْءَه كان من عليّ رضي الله عنه، فإِنه سَمِعَ مرةً رجلا يقرأ:{أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}[التوبة: ٣] بكسر رسوله، مع أنه مرفوعٌ، فتفكَّر في أنه كيف يُخَلِّص الأمةَ عن هذه المهالك، فإِن فيها العرب والعجم، فأَمَرَ أبا الأسود الدُّؤَلي أن يَجْعَلَ قانونًا يحفظها عن الخطأ في الكلام، وأَصَّلَ له أصولا، فقال: كلُّ فاعِلٍ مرفوعٌ، وكلُّ مفعولٍ منصوبٌ وكلُّ مضاف إليه مجرورٌ، ثم قال: انْحُ نحوه، فَشَرَعَ فيى تدوينه، وبَدَأَ من أفعال التعجُّب، فصوَّبه عليُّ رضي الله عنه، ثم جمع الحروف المشبَّهة بالفعل، غير أنه ترك:«لكن»، فأمره عليّ رضي الله عنه أن يزيدها عليها. وبالجملة إن كان لهم فَضْلٌ لكون إمامهم من مدينة الرسول، فلنا أيضًا فَضْلٌ، فإن إمامنا من البلدة التي نزل فيها جنودٌ مُجَنَّدَةٌ من الصحابة رضي الله عنهم، حتى دار بها علمهم وسار، فاعلمه. والله تعالى أعلم بالصواب.
٦٥١ - (أَبْعَدُهم فَأَبْعَدُهم مَمْشى)، وليس هذا أجرًا لنفس الجماعة، بل هو من المكملات. ولا مُعْتَبر عندي بصِغَر الخُطَأْ وكِبَرِ كما نُقِلَ عن بعض السلف، لأن المراد عندي بُعْدُ المسافة وقُرْبُها، فإن كانت خطواتُه صغيرةً كان ثوابها أيضًا مثلها، فلا فرقَ بين صِغَرها وكِبَرها.