للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلقائلٍ أن يقولَ: إن هذا الفرق اسْتُفِيدَ مع الأحاديث العامة، وقد عَلِمْنَا عدمه في سنة الفجر بحديثٍ وَرَدَ فيها خاصةً، والترجيحُ عندك للخصوص دون العموم. فالذي هو حُجَّةٌ قاطعةٌ هو الحديث الصحيح على شرط ابن خُزَيْمَة، وأخرجه العيني، إلا أني أتردَّد فيه، لما في النُّقُول أن العَيْنِي كان سريعَ القلم جدًا، حتى نقل القُدُورِي بتمامه في يومٍ واحدٍ، وكانَ يَتَعَسَّرُ على الناس قراءة كُتُبه من أجل سرعة قلمه، فَيُمْكِنُ أن يكونَ فيه سهوٌ ثم أخرجه مالك أيضًا، لكن بحذف الجملة الأخيرة. وأخرجه الحافظ في «مسند البزَّار» بحذف: «في المسجد». ولنا أن نحمله على رواية وجوب سنة الفجر أيضًا، وحينئذٍ فهي داخلةٌ في الاستثناء، ولا سؤال ولا جواب.

وبعد هذا الإطناب والإسهاب، أريد أن أُلْقي عليك فرقًا بين ما وَرَدَ في صِيَغ الإنكار، فقال تارةً: «أصلاتان معًا» وتارةً: «الصبح أربعًا»؟ وأخرى: «بأي الصلاتين اعْتَدَدْتَ؟» فاعلم أن كلَّ ذلك إنكارٌ بأوصاف، ولا تعرُّض فيها لوقوعها بعد الإِقامة، ولا لكون الوقت وقت كراهة، وذلك لأنه من باب تلقِّي المُخَاطب بما لا يُتَرَقَّب، ولا يتأتَّى في ذكر السبب الواقعي، فحاصل الأول: أتجعل الصلاتين الموقَّتتين بوقتين في وقتٍ واحدٍ؟ وحينئذ يكون الإِنكار على عدم فَصْلِه زمانًا، ومحطُّه كراهة الجمع بين الصلاتين في وقتٍ واحدٍ. ويَصْلُحُ لعدم الفصل مكانًا أيضًا، فإِن «مع» كما في «القاموس»: تكون بمعنى «عند» أيضًا، فَيصِيرُ معناه: أتُصَلِّي صلاتين مكانهما على حِدَةٍ في مكانٍ واحدٍ؟ وحينئذٍ يفيد الطحاويّ.

وحمله ابن رُشْد على الاختلاف على الإمام، ولا يَظْهَرُ إلا إذا خالط الصفوف. وفي لفظ: «أَتُصَلِّي صلاةً واحدةً مرتين»؟ يعني لكون هذا الوقت وقت الفرض، فإذا وصل غيره، فكأنه صلَّى فرضين، ومحطُّه كراهة تكرار الفريضة في نظر صاحب الشرع. ولمّا كان الشروع في حديث ابن بُحَيْنَة بعد الإقامة ألزمه بقوله: «آلصبح أربعًا؟ ومحطُّه كراهة جعل الثنائية أربعًا.

وتلك مسائل من غير هذا الباب تُلْمَحُ من عرض الكلام، تأتي كلُّها على فقه الحنفية. وسوق التعبير يَدُلُّ عليها كأنها مفروغٌ عنها في نظر الشارع، فبنى عليها التعبير كأنه مسلَّمٌ ومعلومٌ، وبها يتأتَّى الإِنكار. فإِن فَرَضْنَا أن لا كراهة في: الجمع بين الصلاتين، أو تكرار الفريضة مرتين، أو جعل الثنائية أربعًا، لا يكون في هذه العبارات رَدْعٌ وتوبيخٌ.

بقي قوله: (فلا إذن) قال الشافعي: معناه: فلا بأسَ إِذن، فدلَّ على جواز قضاء ركعتي الفجر إن لم يصلِّها قبل فرضه، وقال الحنفية رحمهم الله تعالى: معناه: فلا جوازَ إذن، إلا أنه لا يَظْهَرُ فيه منى الفاء، بخلاف ما اختاره الشافعية رحمهم الله تعالى، فإنها تكون فصيحةً. فتردَّدت لنظيره حتى وَجَدْتُ في «الكشاف» قُدِّرَ بمثله في قوله تعالى: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} [الطور: ١٥] دخلت الفاء فيها في موضع الإنكار. قال الزمخشري: معناه أمّا معجزاتُ الأنبياء عليهم السلام فكنتم تَزْعُمُونها سِحْرًا، فما تَنْظُرُون الآن من أهوال المحشر، فهي سِحْر أيضًا. وترجمته عندي (نهر بهى نهين). كما في الحديث: إنا كنا قد صلَّينا في

<<  <  ج: ص:  >  >>