للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد فَهِمَ ابن عمر رضي الله تعالى عنه هذا المعنى، وأنه مُخْتَصٌّ بالمسجد، لا خارجًا عنه. وهو كذلك في «الفتح».

بقي الفرق بين داخل المسجد وخارجه هل اعتبره الشرع أو لا؟ ففيه أحاديث: منها حديث أبي هُرَيْرَة رضي الله تعالى عنه: «أمَّا هذا، فقد عَصَى أبا القاسم صلى الله عليه وسلّم وزاد أحمد: «أمرنا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم إذا كنتم في المسجد فُنُودِي بالصلاة، فلا يَخْرُجْ أحدُكم حتى يُصَلِّيَ»، إسناده صحيح. وحديث: «إذا صلَّيتما في رِحَالكما، ثم أَتَيْتُمَا مسجد جماعةٍ ... » الخ. وحديث «لا يَخْرُج أحدٌ من المسجد بعد النداء إلا منافقٌ إِلا رجلٌ يَخْرُجُ لحاجته، وهو يريد الرَّجْعَة إلى المسجد» (عب ق). وقد رُوِيَ: «لا صلاة لمن دَخَلَ المسجد والإمام قائمٌ يُصَلِّي، فلا يَنْفَرِدُ وحده بصلاةٍ، ولكن يَدْخُل مع الإمام في الصلاة». (طب عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه).

والحاصل: أن المناطَ عند الطحاويِّ: هو عدم الفصل، مكانًا، دون الملام بعدم الاشتراك في الجماعة، أو بعد الإقامة، كيف وقد قال لقيس بعد الفراغ عن الجماعة: «أصلاتان معًا»؟ (١)، فهولعدم الفصل، قبل الإقامة كان، أو عندها، أو بعدها. قلتُ: والفصلُ عندي عامٌّ سواء كان مكانًا أو زمانًا وإن أخذه الطحاويُّ في المكان خاصةً، كما يُسْتَفَادُ من لفظ مسلم: «حتى نتكلَّم أو نَخْرُج» وقد مرَّ. وأمَّا عند الشافعية، فهو كونه مُصَلِّيًا بعد الإقامة، سواء كان خارج المسجد أو داخله. وعندي كونه مُصَلِّيًا في المسجد بعد الإقامة، فللمسجد دَخْلٌ بل هو المناط وقد عَلِمْتَ تغايرُ الحكمين في داخل المسجد وخارجه. وإذ قد راعاه الشرع في غير بابٍ واحدٍ، اعتبرناه في هذا الباب أيضًا.

ثم ههنا حديث نقله العَيْنِي عن «صحيح ابن خُزَيْمَة»، ولو صحَّ لكان فاصلا في الباب: عن أنسٍ قال: «خَرَجَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلّم حين أُقِيمَتِ الصلاةُ، فرأى ناسًا يُصلُّون ركعتين بالعَجَلة، فقال أصلاتان معًا؟ فَنَهى أن تُصَلَّيا في المسجد إذا أُقِيمَتِ الصلاةُ». اهـ. وفيه تصريحٌ: أن النهيَ مُقْتَصِرٌ على المسجد، وهو المناط على ما حقَّقت سابقًا، وهذا الحديثُ أَصْرَحُ فيه، لكونه واردًا في خصوص سنة الفجر، بخلاف الأحاديث المارَّة، فإنها وإن دَلَّت على الفرق بين الداخل والخارج، لكنها لم تُرْوَ في خصوص سنة الفجر.


(١) قلت: وفي مذكرة الشيخ عندي بعض نظائر الفاء في مورد الإنكار، وقوله: "فلا إذن" في محله فأحببت ذكرها.
فعند مسلم: أنَّ النُّعْمَان بن بشير نَحَلَ ابنه قُطعةً من ماله، فأراد أن يُشْهِدَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فجاء إليه فقال: "هل نَحَلْتَ أبناءك مثله"؟ فقال: لا. قال: "فلا إذن". أي: فلا أشهد إذن -بالمعنى- وفي "المشكاة": أن رجلًا استقطع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعْدِنًا فأقطعه، فقيل له: إن قطعت له الماء المعد، قال: "فلا إذن" كنز. وعند مسلم: "إذًا لا نرجمها وندع ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه". وعند البخاري: "إذا يحلف من الشرب" وعند النَّسائي: "فقال عمر رضي الله عنه: فَسَيْفان إذًا في غَمْدٍ لا يَصْلُحَان". من "الفتح" ومثله في موضع ردِّ العذر في "الصحيح" فلمَّا صلَّى قال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا إلى الصلاة، قال: "فلا تفعلوا"، وغيره من مواضع الفاء في القراءة خلف الإمام، وإتيان مسجد جماعةٍ بعد الصلاة في الرحال، وعند النَّسائي في المتوفَّى عنها زوجها، وبَسَطَ الحافظ الكلام في تلك الكلمة، فراجعه. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>