للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم أخرج الطحاويُّ آثارًا عديدة تَدُلُّ على جواز السنة في ناحية المسجد، منها عمل العَبَادِلة الثلاثة: ابن عمر رضي الله عنه مع كونه راوي الحديث، وابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهما. وأخرج ابن أبي شَيْبَة (١) نحو تسع من الآثار تَدُلُّ على جوازها خارج المسجد، وفي البعض إيهامٌ بكونها خارج المسجد أو داخله. ثم إنه وقع عند البيهقيِّ في الحديث المذكور استثناءُ ركعتي الفجر. وهو مُدْرَجٌ عندي، وليس بموضوع، ومن حَكَمَ عليه بالوضع، فكأنه أراد به الإدراج. ونقيضه في «كامل ابن عدي»، وهو أيضًا لا يَصِحُّ. وعندي: من روى الاستثناء أو النفي، كان هو في الحقيقة مذهبه، فاختلط بالمرفوع (٢).

ثم أقولُ: والمناط على ما حقَّقت من مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، وهو الجواز في الخارج دون الداخل، كونه مُصَلِّيًا في المسجد غير الصلاة المكتوبة بعد إقامتها. وحينئذٍ يكون الحكم مقصورًا على المسجد فقط، لكون المسجد داخلا في المثار. وإن كان للإقامه أيضًا بعض دَخْلٍ فيه عندي، لكن العُمْدَة فيه: هو كونه مُصَلِّيًا في المسجد (٣) وهو مدار الحكم بالجواز وعدمه. وهو الذي فَهِمَه ابن عمر رضي الله عنه، كما قال البهكلي في «شرح النَّسائي»،


(١) وقد ذكرها الزبِيدِي في "الإِتحاف" قال: أخرج أبو بكر بن أبي شَيْبَة في "المصنف"، عن الشَّعْبِي، عن مَسْرُوق: "أنه دَخَلَ المسجدَ والقوم في صلاة الغداة، ولم يكن صلى الركعتين، فصلاهما في ناحيةٍ، ثم دَخَلَ مع القوم في صلاتهم"، وعن سعيد بن جُبَيْر: "أنه جاء إلى المسجد والإمام في صلاة الفجر، فصلَّى الركعتين قبل أن يَلِجَ المسجد عند باب المسجد"، وعن أبي عثمان النَّهْدِي قال: "رأيت الرجلَ يَجيء وعمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة الفجر، فيصلي الركعتين في باب المسجد، ثم يَدْخُلُ مع القوم في صلاتهم"، وعن مجاهد قال: "إذا دخلت المسجد والناس في صلاة الصبح، ولم تركع ركعتي الفجر، فاركعهما وإن ظننتَ أن الركعة الأولى تَفُوتُك". وعن وَبَرَةَ قال: "رأيتُ ابن عمر رضي الله عنه يفعله". وعن إبراهيم: "أنه كَرِه إذا جاء والإمام يُصَلِّي: أن يصلِّيهما فى باب المسجد أو في ناحيته" وعن أبي الدَّرْدَاء. قال: إني لأجيء إلى القوم وهم صفوف في صلاة الفجر، فأُصَلِّي الركعتين، ثم أنْضَمُّ إليهم". اهـ.
(٢) قلت: وقد نبَّهتك فيما مرَّ: أن مثله يَقَعُ كثيرًا، كما في الركعتين قبل المغرب، فروى واحدٌ: "صلُّوا قبل المغرب ... ". إلخ. وجاء آخر، فقال: "بين كل أذانين صلاة، إلَّا المغرب". ولا يلتقيان إلَّا حين يلتقي السُّهَيْل مع السُّهَا، أو لا يلتقي إذ ذاك أيضًا. فراعِ الاستثناء مع النفي ههنا أيضًا، وقد بَسَطَ الشيخُ الكلامَ على إسنادهما في دراسة "جامع الترمذي".
(٣) وُيؤَيِّده ما أخرجه الهيثمي رحمه الله تعالى في "مجمع الزوائد"، عن عبد الله قال: سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا صلاةَ لمن دخل المسجد والإمام قائم يُصَلي، فلا يَنفَرِدُ وحده بصلاة، ولكن يَدْخُل مع الإمام في الصلاة". اهـ. وفيه: يحيى بن عبد الله البَابْلُتي، وهو ضعيف. قال الشيخُ رحمه الله تعالى في درس الترمذي: إن البَابْلُتِّي هذا ربيب الأوزاعي، وكان يَرْوِي من كتابه، وقد أخذ عنه البخاري مُعَلَّقًا في كتاب الحج وهو عندي من رواة الحِسَان، ونُقِلَ أن ابن معين لما بَلَغَ إلى الشام، أهدى إليه البَابْلُتي من النقد وغيره شيئًا، وكان ثَمَّة، فأخذ ابن معين غير النقد وردَّ الدراهم، ثم سأله رجل عن البَابْلُتي كيف هو؟ فقال: والله إن هديته لطيبة، ولكن ما سَمِعَ عن الأوزاعي شيئًا - ويؤيِّده أن الحديثَ يرويه ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما. أَمَّا ابن عمر رضي الله عنه، ففتواه عند مالك رحمه الله تعالى في "موطئه". وأمَّا ابن عباس رضي الله عنه، ففتواه عند الطحاويِّ في "معاني الآثار": أن تُصَلي الركعتان خارج المسجد، وإن دَخَلَ الإمام في الصلاة".

<<  <  ج: ص:  >  >>