للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وحسَّنه. فدلَّ على أن الفاتحةَ وغيرها عنده سواء، وإن السؤالَ كان عن شيءٍ من القرآن دون السورة، وإنه لا وجوبَ عنده على المقتدي. فقال: «هل منكم من أحد»، فلو كانت واجبةً على الكلِّ لسألهم أجمعين، هكذا: هل تقرؤون أنتم؟ لا: «منكم من أحدٍ»، فإنه يَدُلُّ على أنه ليس عنده هناك قارئًا إِلا أحدٌ منهم، وليست هذا شاكلة الواجب. وفيه أن القراءةَ خلفه تُنَاقِضُ منصب الائتمام، ولذا قال: «خلف إمامكم»، مع أن الظاهر خلفي، فَعَدَل عنه، وانتقل إلى بيان منصب الائتمام لتَعُمَّ الفائدة. وحينئذٍ محطُّها: أن خلف الإمام ليس موضع القراءة. وقد يَحْتَالُون بأن قوله: «فانتهى الناس عن القراءة ... » إلخ من قول الزُّهْرِيِّ ...

قلتُ: ويقضي العجب من قولهم ما حملهم على ذلك، فإننا لو سلَّمناه، فالزُّهْرِيُّ تابعيٌّ، ولا يذكر إلا من حال الصحابةِ ثم إن من جعله من قول الزُّهْرِيِّ غَرَضُه أن الزهريَّ قاله نقلا عن أبي هُرَيْرَة، وأخفى به صوته، فثبَّتهم مَعْمَرٌ فيه، فكان إسناد القول إلى مَعْمَر أو الزهريِّ لهذا، فَزَعَمُوا أنه من تلقاء أنفسهم. فعند أبي داود في حديث ابن أُكَيْمَة الليثي عند بيان الاختلاف، وقال ابن السَّرْح في حديثه: قال مَعْمَر، عن الزُّهْرِيِّ، قال أبو هريرة: «فانتهى الناس». وقال عبد الله بن محمد: الزُّهْرِيُّ من بينهم، قال سُفْيَان: وتكلّم الزهريُّ بكلمةٍ لم أسمعها، فقال مَعْمَر: إنه قال: «فانتهى الناس ... » الخ. نعم بقي شيءٌ، وهو أن قوله صلى الله عليه وسلّم «لا تفعلوا إلا بأمِّ القرآن»، وإن لم يَدُلَّ على الوجوب، لكن تعليله بقوله: «فإنه لا صلاةَ إلا بها» يَدُلُّ على الوجوب قطعًا، وبه يَتُمُّ الاستدلال.

قلتُ: كلا، فإن قوله قبل التعليل لمَّا دلَّ على الإباحةِ المرجوحةِ ولا بُدَّ، لم يَصْلُح التعليل أن يَدُلَّ على الوجوب في حقِّه. كيف؟ وإنه طفرةٌ من الإباحة إلى الوجوب، وليس بسديدٍ. وهل يناسب عندك أن من كان بصدد إيجاب شيءٍ في آخر كلامه أن يسأل عنه أولا، ويقرِّر إباحته في ابتدائه، ثم يُوجِبه في آخره كأنه سَنَحَ له الآن وجوبُه وإيجابُه، إلا أن يُفْرَضَ أنه تكلَّم خالي الذهن عن الوجوب، فإذا كان عند ختم كلامه سَنَحَ له كسنوح السوانح أن يُوجِبَه، فعلَّله بالوجوب. وهو كما ترى، ليست شاكلة كلام العوام، فضلا عن كلام خير الأنام.

وحينئذٍ وَجَبَ علينا وعليهم أن نَشْرَحَ الحديثَ، فإن ظاهره غير مستقيمٍ. ثم استفتِ نفسك - فإنَّ بين جَنْبَيْك مُفْتٍ - إنه إذا خَاطَبَ المقتدين بذلك الكلام، وسألهم عن القراءة، فهل يُنَاسِبُ الإِيجاب في حقِّهم، أو في حقِّ غيرهم كالمنفرد والإمام؟ فإن كنتَ تستطيعُ أن تسمعَ كلامَ الخصم وتَفْهَمَه، فاعلم أنه إيجابٌ على المنفرد دون المقتدي. اسْتُدِلَّ بإِيجابها في الجنس (١) على إباحتها للمقتدي، ولو لم نأخذه في الجنس، وحملناه في حقّ المقتدي، لنَاقَضَ


(١) وهذا كما عند الترمذي ضالة المسلم حرق النار، وأنت تعلم أنه وصف باعتبار تحققه في الجنس وإلا يلزم ألا يلتقط ضالته. وأصرح منه ما أخرجه أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج ذات يوم وهو محتضن أحد ابني ابنته، وهو يقول: إنكم لتبخلون وتجنبون وتجهلون وأنكم لمن ريحان الله. اهـ. ص ١٣ ج ٢. فإن التعليل ههنا كالتعليل في قوله: فإنه لا صلاة الخ بعينه لا أراك شاكا في أن هذه أوصاف باعتبار الجنس أما في الحديث المذكور فلا محل لهما. وهكذا فليقسه في حديث الفاتحة

<<  <  ج: ص:  >  >>