للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المفعول به المنفصِل إلى الفاعل، ويُطْلَقُ عليه أنه يُصَلِّي مقيَّدًا، كالصلاة خلف الإِمام، والصلاة بصلاته. ويقولون في مقام الاختصار: إنه يُصَلِّي، فَيَحْكُمُون بالنظر إلى حكمه المُنْسَحِب عليه، ولا يَذْكُرُون كونه خلف الإِمام حسب داعية المقام، فيُحَلِّلون صلاة الجماعة التي كانت صلاةً واحدةً بالعدد إلى صلواتٍ بحَسَبِ عدد من كان فيها، ويَحْكُون أن فلانًا صلَّى كأنها فِعْله.

وبعبارةٍ أخرى: إن صلاةَ الجماعة صلاةٌ واحدةٌ بالعدد في العُرْف والعبارة، وهو عند أبي داود من إحالة الصلاة ثلاثة أحوال قال: وحدَّثنا أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لقد أَعْجَبَنِي أن تكونَ صلاةُ المسلمين أو المؤمنين واحدةً». اهـ. لا صلوات بعدد من فيها، وإنما ذلك عند التحليل حتى يَتْرُكُون بيانَ الحال بتمامه، ونَقْلَ صورته بتمامها. وبالجملة كانت صلاةُ الجماعة مُفْرَدَةً لا تثنيةً ولا جمعًا، فحلَّلوها إليهما، حيث يريدون نَقْلَ حاله بالنظر إلى حكم نفسه المُنْسَحِب عليه، وكلا الاعتبارين وَارِدَان في ألفاظ الحديث بحَسَبِ المقامات.

فالأول نحو حديث: «إذا أُقِيمَتِ الصلاة، فلا تَأَتُوها تَسْعَون، وأتوها تَمْشُون وعليكم السَّكِينة». اهـ. جعل الصلاةَ كأنها ليست من فِعْله، بل هي مُنْفَصِلةٌ عنه: أتاها، فهي مَأْتِيةٌ، يَرِدُ عليها، ويَصْدُرُ عنها. وجعلها مفردةً في العبارة لا تثنيةً ولا جمعًا. وكقوله تعالى: {إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: ٩]. وقوله: {وَإِذَا نَدَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: ٥٨]. وعن عبد الرحمن ابن عبد القاري في قيام رمضان: يُصَلِّي الرجل لنفسه، ويُصَلِّي الرجل، فَيُصَلِّي بصلاته الرَّهْطُ، والناس يُصَلُّون بصلاة قارئهم. وحديث عائشة فيه: «فصلَّى في المسجد، وصلَّى رجالٌ بصلاته». وفي صلاةٍ في مرض موته: فجعل أبو بكرٍ رضي الله عنه يُصَلِّي، وهو قائمٌ، بصلاة النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وفي «الفتح»: عن عِتْبان بن مالك، عن أحمد: «فقاموا وراءه، فصلُّوا بصلاته». وعند النَّسائي من حديث عبد الله بن سَرْجِس، قال: «يا فلان، أيهما صلاتك التي صلَّيت معنا، أو التي صلَّيت لنفسك» اهـ. ففي هذه الأحاديث كلِّها اعْتُبِرَت صلاة الجماعة كأنها ليست من فِعْله، بل من فِعْل الإِمام، ثم المقتدي يأخذ منها حظَّه بنوع ربطٍ مع إمامه.

وأمَّا الاعتبارُ الثاني، فنحو حديث البَيَاضي عند مالك في العمل في القراءة: «أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم خَرَجَ على الناسِ وهم يُصَلُّون، وقد عَلَتْ أصواتهم، فقال: إن المُصَلِّي يُنَاجِي ربَّه، فلْيَنْظُرْ بما يُنَاجِيه به، ولا يَجْهَرْ بعضُكم على بعضٍ بالقرآن». اهـ. وكان ذلك في رمضان. وعند ابن عبد البَر: «والناس يُصَلُّون عُصَبًا عُصَبًا»، وهو مَسُوقٌ لغير المقتدي. ومثله حديث السُّتْرَة عند أبي داود: «إذا صلَّى أحدُكم، فلْيُصَلِّ إلى سُتْرته، وليَدْنُ منها». وكذا: «إذا كان أحدُكم يُصَلِّي، فلا يَبْصُق قِبَل وجهه، فإن اللَّهَ قِبَل وجهه إذا صلّى». ساق الكلامَ فيه بالنظر إلى حال المصلِّي في نفسه، ولذا لم يَذْهَبْ أحدٌ إلى إيجاب السُّتْرَة لكلَ في صلاة الجماعة، لأنهم حَمَلُوا الحديثَ المذكورَ في المنفرد، وقد مرَّ تقريره. وإذا سَمَحَت نفسُك بقَبُول هذا ولم تُمَاكِس، فحديث: «لا صلاةَ لمن لم يقرأ بأمِّ القرآن» يَنْسَحِبُ على كل صلاةٍ مفردةٍ من عدد الصلوات في حقَ من يُوصَف بأنها فِعْلُه.

ولذا لم يَصِفْهم في هذا السياق بكونهم خلف الإمام، فإذن هو في صلاة المنفرد أو الإِمام

<<  <  ج: ص:  >  >>