٧٩٣ - قوله:(ارْجِعْ فَصَلِّ) وعُلِمَ منه: أن الصلاةَ إذا اشتملت على كراهة التحريم وَجَبَت إعادتها، ومقتضاه أن تجب الإِعادةُ على من ترك الجماعةَ، وصلَّى في بيته مُنْفَرِدًا، فإِن الجماعةَ واجبةٌ، فإذا تَرَكَهَا وَجَبت إعادتُها. وتردَّد فيه ابن عابدين الشامي، لأنه إن قُلْنَا بوجوب الإِعادة، فلا فائدةَ فيه لأنه إن يُعِدْها يُعِدْها مُنْفَرِدًا. وإن قُلْنَا بعدم وجوبها، يَلْزَمُ نقض الكلية.
قلتُ: ولي جَزْمٌ بأنه لا يعيدها، والكلية فيما كانت في الإِعادة فائدة. ولا تمسُّك فيه على فرضية التعديل، لأن الأمر بالإِعادة ليس مبنيًّا على فرضيته، كما زَعَم، بل أمكن أن يكون ضربًا من التعزير، وهو الظاهر من الأمر بإِعادة عمل عمل عمله مرةً. وحينئذٍ لم يَبْقَ فيه دليلٌ على ما راموه. فأمعن النظر فيه، فإِن المعاني تختلف باختلاف الاعتبارات، وذلك عند أهل العرف كثيرٌ.
ثم اعلم أن حديثَ مُسِيء الصلاة لا يرويه إلا أبو هريرة ورِفَاعة بن رافع. وفي جملة طُرُق حديث أبي هُرَيُرَة رضي الله عنه:«ثم اقرأ ما يتسَّر معك من القرآن».
وتمسَّك منه الحنفية على عدم ركنية الفاتحة. قلتُ: وهذا ليس بصحيحٍ، لأن الفاتحةَ وإن لم تكن رُكْنًا، لكنها واجبةٌ عندنا أيضًا. والسياقُ سياقُ التعليم، فلو فرضنا أنه لم يعلِّمه الفاتحة يَلْزَم درج كراهة التحريم في سياق التعليم، ولا يجوز أصلا، مع أنها مذكورةٌ في حديث رِفَاعة صراحةً، وإن كانت مجملةً في حديث أبي هُرَيْرَة، على أن التيسيرَ مُعْتَبَرٌ في الطول، لا في العرض، كما مرَّ تقريره في المقدمة.
وحاصله: إن الله تعالى لمّا عَلِمَ الاستثقالَ عليهم في القيام بالليل، رخَّص لهم أن لا يطوِّلوه كما كانوا يفعلونه في الليل كلِّه، أو أكثره، بل لهم أن يقوموه حسبما تيسَّر لهم. فهذا تيسير في حصص الليل، لا في الفاتحة كما فَهمُوه، ثم أقول: إن قوله: «ثم اقرأ ما يتسر معك من القرآن»، ليس بناء على ركنية الفاتحة، بل لكون الرجل بدويًا أعرابيًا لا يدري أنه كان عنده شيءٌ من القرآن، أم لا. وحينئذٍ ينبغي أن يكون التعبيرُ هكذا، ولذا قال:«وإلاّ فاحمد الله، وكَبِّرْهُ»، فدَلَّ على أنه كان ممن لا يُسْتَبْعَدُ منه أن لا يكون عنده قرآنٌ أصلا، وإذن لا يُلائِمُه أن يأمره بالفاتحة والسورة تفصيلا، وإنما الأَلْيَقُ بحاله الإِجمالُ، فيقرأ بما يَقْدِرُ، ولذا ورد عند الترمذيِّ:«فإن كان معك قرآن» ... إلخ. وتُرَاك فَهِمْت الآن حسن التعبير.
قوله:(حتى تَطْمَئِنَّ راكعًا)، وفي حديث أبي حُمَيْد الساعدي حتى جعلنكا فقار مكانه، ومنه يَعْلَمُ قدر التعديل، وقدَّره فقهاؤنا بتسبيحةٍ، وما وراءها فسنةٌ.
قوله:(ثم افعل ذلك في صلاتك كلِّها) تمسَّك به الشيخ ابن الهُمَام على وجوب الفاتحة في الأُخْرَيَيْن أيضًا، واختاره (١) العيني رحمه الله تعالى. والمشهور أنها مستحبةٌ لِمَا ثَبَتَ عن عليّ وابن مسعود رضي الله عنهما:«أنهما كانا يُسَبِّحان في الأُخْرَيَيْن». وقوَّى ابن أَمير الحاج
(١) قلت: قال الشيخ رحمه الله تعالى: إن العيني رحمه الله تعالى إنما اختار الوجوب في شرح البقخاري بحثًا فقط، وإلا فهو قائل بالاستحباب. هكذا أتذكر عنه، والله تعالى أعلم بالصواب.