للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على السجدة فلو أخذ من السجدة ولم يغير التعبير لدل على اتحاد السلسلة وأن الطائفة الثانية تأخذ من حيث تَرْكُها الأُولى، مع أن المقصود صلاتُها برأسِها مستقلِةٌ. فإذا عُلِم أن الصلاة على الطائفة الثانية تامّةٌ، يُعلم حالُ الأولى بالمقايسة، وإن عَبَّر عن صلاتها بالجسدة (١). على أن تعبيرَ ركعتهم بالصلاة ليس نظرًا إلى حالهم، بل إلى حال إمَامِهِمْ، وصلاتُهُ قد تمت عَلى ذلك، وهؤلاء قد صلُّوا بصلاته، فعبَّر عن ركعتهم بالصلاة لذلك، ولا سيما على نظر الحنفية فإن صلاة الجماعة عندهم صلاةٌ واحدة بالعدد، وهي صلاة الإمام، وهي في حَقُّه فعله، وفي حق المأمومين مفعول به كما علمت تحقيقه. وتلك اعتبارات متناسبة تجري في كلام البلغاء، يذوقها من كانت قريحتُهُ ارتاضت بمثلها.

قوله: ({وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ}) [النساء: ١٠٢] قلتُ: وزِيْدَ لَفْظُ «الجِذْر» عند ذِكْر الطائفة الثانية، لأنهم آئبون من وِجاه العدو مُدْبِرين، فخِبف عليه أن يَهْجُمُوا عليهم، بخلاف الطائفة الأُولى (٢).

قوله: ({وَلا جُنَاحَ عليكم إنْ كان بكم أذىً مِنْ مطرٍ أو كُنْتُمْ مَرْضَي}) [النساء: ١٠٢]- يثقل عليكم حمله.

قوله: ({أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ}) [النساء: ١٠٢] ولكن {خُذُواْ حِذْرَكُمْ} [النساء: ١٠٢] ولَمَّا أَخَذَ القرآنُ المطرَ والمرضَ عذرًا في مواضعَ، اعتبره الشافعي رحمه الله تعالى عذرًا في مواضعَ، كالجَمْع بين الصلاة عندهم.

الفائدة الثالثة: فيما يُستفاد منها في ركعات الصلاة. والظاهر من القرآن أن للإِمام ركعتين، وللقوم ركعةً ركعةً، كما ذهب إليه بعضُ السلف أيضًا وإن لم يذهب إليه من الفقهاءِ الأربعةِ أَحَدٌ. وهو مذهبُ جمور السَّلَف.

وقال الجمهور: إنَّه اكتفَى بِذِكْر ركعةٍ للقوم، لأن الأُخْرى ليست لهم مع الإِمام، وإنما يصلُّونها لأَنفسهم، والقرآن بصدَدِ ذِكْر صلاة الإِمام والمأموم كيف صفتها، وقد ذهب بعضُ السلف إلا الاجتزاء بالتكبير فقط إِنْ تعذرت الصلاة. وأخذت منه أن التكبيرَ والأذكار رُوْحُ العبادة، فإذا تَعَذَّرت عادت إلى الأصل، ويمكن أن يكون التكبيرُ عندهم كالتَّشَبُّهِ بالمصلين عندنا حرمةً للوقت، ولا صلاةَ عندنا في حال المُسَايفة، فإذا تَعَذَّرَتْ تَأَخَّرَتْ.

الفائدة الرابعة: في التنبيه على أنَّ القرآنَ لم يتعرضْ إلى بيانِ صفةِ الصلاة في غيرها:


(١) يقول العبد الضعيف: ولو قال: {فليسجدوا} لم يناسب قرينةَ {لَمْ يُصَلُّوا} وكان حَقّ الكلام حينئذٍ و"لتأتِ طائفةٌ
أُخرى لم يَسْجُدوا فليسجدوا" ولكنه قال: {لَمْ يُصَلُّوا} فناسب أن يقول: {فَلْيُصَلُّوا}.
(٢) يقول العبد الضعيف: قال المَهَائمي حِذْرهم، أي تيقظهم، إنما زيد لفظُ الحِذْر، لأن العدو يتوهمون في الأولى
كونَ المسلمين قائمين في نحورهم، فإذا قاموا إلى الثانية ظهَر لهم أنهم في الصلاة، فاحتاج المسلمون إلى أَخْذِ
الحِذْر لئلا يَهْجُمُوا عليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>