للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَنْ أَعْطَى فِي رِسْلِهَا، ونَجْدَتِهَا (١) ، وأَفْقَرَ ظَهْرَهَا (٢) ، وأَطْرَقَ فَحْلَهَا (٣) ، ونَحَرَ سَمِينَهَا، وأَطْعَمَ الْقَانِعَ والْمُعْتَرَّ "قُلْتُ: يارسول اللَّهِ مَا أَكْرَمَ هَذِهِ الأَخْلاقُ وأَحْسَنُهَا، إِنَّهُ لا يَحِلُّ بِالْوَادِي الَّذِي أَنَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ إِبِلِي. قال: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِالْمَنِيحَةِ؟ قُلْتُ: إِنِّي لأَمْنَحُ فِي كُلِّ عام مئة. قال: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِالْعَارِيَةِ؟ قُلْتُ: تَغْدُوا الإِبِلُ ويَغْدُو النَّاسُ، فَمَنْ أَخَذَ بِرَأْسِ بَعِيرٍ ذَهَبَ بِهِ. قال: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِالأَفْقَارِ؟ قال: إِنِّي أُفْقِرُ الْبِكْرَ الضَّرْعَ والنَّابَ الْمُدْبِرَ. قال: مَالُكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ مَالُ مَوْلاكَ؟ قُلْتُ: بَلْ مَالِي. قال: فَإِنَّمَا لَكَ مِنْ مَالِكَ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ أَعْطَيْتَ، فَأَمْضَيْتَ، ومَا بَقِيَ فَلِمَوْلاكَ. قُلْتُ: لِمَوْلاي؟ قال: نَعَمْ. قُلْتُ: واللَّهِ لَئِنْ بَقِيَتْ لأَدَعَنَّ عِدَّتَهَا قَلِيلَةً. قال الْحَسَنُ: ففعل رَحِمَهُ اللَّهُ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَعَا بَنِيهِ، فَقَالَ: يَا بَنِيَّ خُذُوا عَنِّي، فَلا أَجِدُ أَنْصَحَ لَكُمْ مِنِّي: إِذَا أَنَا مِتُّ فَسَوِّدُوا أَكَابِرَكُمْ، ولا تُسَوِّدُوا أَصَاغِرَكُمْ فَيَسْتَسْفِهِ النَّاسُ كِبَارَكُمْ، وتَهُونُوا عَلَيْهِمْ، وعَلَيْكُمْ بِاسْتِصْلاحِ الْمَالِ فإنه منبهة للكريم، ويستغنى به عَنِ اللَّئِيمِ، وإِيَّاكُمْ والْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهَا آخِرُ كَسْبِ الْمَرْءِ وإِنَّ أَحَدًا لَمْ يَسْأَلْ إِلا تَرَكَ كَسْبَهُ، فَإِذَا أَنَا مِتُّ فَكَفِّنُونِي فِي ثِيَابِيَ الَّتِي كُنْتُ أُصَلِّي فِيهَا وأَصُومُ، وإِيَّاكُمْ والنِّيَاحَةِ عَلَيَّ فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَنْهَى عَنْهَا، وادْفِنُونِي فِي مكان لا


(١) نجدتها ورسلها: أي الشدة والرخاء، يقول: يعطي وهي سمان حسان يشتد عليه إخراجها فتلك نجدتها، ويعطي في رسلها وهي مهازيل مقاربة.
(٢) أفقر ظهرها: أعارها للركوب.
(٣) اطراق الفحل: اعارته للضراب.