للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قريب، حلو المنطق، فصل لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة لا يائس (١) من طول ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا. له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر، تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند. قال أبو معبد: فهذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه ولافعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا.

وأصبح صوت بمكة عال، يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه، وهو يقول:

جزى الله رب الناس خير جزائه • رفيقين قالا خيمتي أم معبد

هما نزلاها بالهدى واهتدت به • فقد فاز من أمسى رفيق محمد

فيال قصي ما زوى الله عنكم • به من فعال لا تجارى وسودد

ليهن بني كعب مكان فتاتهم • ومقعدها للمؤمنين بمرصد

سلوا أختكم عن شاتها وإنائها • فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد

دعاها بشاة حائل فتحلبت • عليه صريحا ضرة الشاة مزبد

فغادرها رهنا لديها لحالب • يرددها في مصدر ثم مورد

فلما سمع بذلك حسان الأَنْصارِيّ شبب (٢) يجاوب الهاتف فقال:


(١) قال المجد ابن الاثير في (يأس) من النهاية: في حديث أم معبد"لا يأس من طول"أي أنه لا يؤيس من طوله، لانه كان إلى الطول أقرب منه إلى القصر ... ورواه ابن الأَنْبارِيّ في كتابه: لا يائس من طول"وَقَال: معناه لا ميؤوس من أجل طوله، أي: لا ييأس مطاوله منه لافراط طوله، فيائس بمعنى ميؤوس، كماء دافق بمعنى مدفوق": ٥ / ٢٩١. وفي البداية لابن كثير نقلا عن البيهقي: لا تنساه عين من طول". قلت: والذي هنا هو ما ذكره ابن الأَنْبارِيّ لانها رسمت في الاصول جميعها"يايس.
(٢) قال ابن منظور في "شبب"من لسان العرب: وفي حديث أم معبد: فلما سمع حسان شعر الهاتف شبب يجاويه، أي ابتدأ في جوابه، من تشبيب الكتب، وهو الابتداء بها، والاخذ فيها، وليس من تشبيب بالنساء في الشعر. ويروى نشب بالنون أي: أخذ في الشعر، وعلق فيه". وفي مجمع الزوائد: ٦ / ٥٧: شب"وهو تحريف.