أعطى من لا يرجوه، وأعظم الناس عفوا من عفا عَنْ قدرة، وأوصل الناس من وصل عَنْ قطيعة.
وَقَال مُحَمَّد بْن حبيب، عَنِ الأَصْمَعِيّ: كان خالد القسري يَقُولُ فِي خطبته: يا أيها الناس تنافسوا فِي المكارم، وسابقوا إِلَى الخيرات، واشتروا الحمد بالجود، ولا تكتسبوا بالمطل ذما، ومهما كانت لأحد منكم عند أحد يد ثم لم يبلغ شكرها فالله أكمل لها أجرا، وأفضل لها عطاء، يا أيها الناس إن حوائج الناس إليكم نعم من اللَّه عليكم فلا تملوا النعم فتحول نقما، واعلموا أن خير المال ما أكسب حمدا وأورث ذخرا، يا أيها الناس من جاد ساد، ومن بخل ذل، ولو رأيتم المعروف رجلا لرأيتموه بهيا جميلا يسر الناظرين ويفوق العالمين، ولو رأيتم البخل رجلا لرأيتموه قبيحا مشوها تغض منه الأبصار وتقصر دونه القلوب، أيها الناس إن أكرم الناس من أعطى من لا يرجوه، وإن أفضل الناس من عفا عَنْ قدرة، والأصول عَنْ مغارسها تنمي وبفروعها تزكو.
وَقَال أَبُو بَكْر بْن أَبي خيثمة، عَن أبي هشام الرفاعي، سمعت أبا بكر بْن عياش، يَقُولُ: رأيت خالد بْن عَبد اللَّهِ القسري حين أتي بالمغيرة (١) وأصحابه قد وضع لَهُ سرير فِي المسجد فجلس عليه ثم أمر برجل من أصحابه فضربت عنقه، ثم قال للمغيرة بْن سَعِيد: أحيه! وكان المغيرة يريهم أَنَّهُ يحيي الموتى، فقَالَ: والله، أصلحك اللَّه، ما أحيي الموتى، قال: لتحيينه أو لأضربن عنقك. قال: لا والله ما أقدر عَلَى
(١) كان المغيرة بن سَعِيد هذا رافضيا خبيثا كذابا ساحرا. ادعى النبوة، وفضل عليا رضي الله عنه على الانبياء (انظر ميزان الاعتدال: ٤ / ١٦٠ - ١٦٢) ، وإليه تنسب فرقة المغيرية.