١٥٦٠ - قوله:(فنزلنا بسرف، قالت: فخرج إلى أصحابه، فقال:«من لم يكن منكم معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل») ... إلخ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلّم خيَّرهم في أول أمرِهم، ثم أمرَهم ثانيًا قبل شروعهم في الأفعال حين بلغَ مكةَ شرَّفها الله تعالى، فلم يعمل به أحدٌ منهم، فلما رآهم امتنعوا عنه غَضِبَ عليهم، وعزمَ عليهم حين صعد المروةَ. وإنما غضبَ عليهم لأنهم أَبَوا أنْ يأتوا بما كان أمرَهم به، وتنزَّهُوا عن رخصتِهِ. وفي مثله وردَ الغضبُ.
كما وقع في بعض من أرادوا أن يمتنِعُوا عن النكاح، ويخرجوا إلى الصُّعُدات، فقال لهم:«أنا أخشاكم لله وأتقاكم»، وكما غضب على من صام في السفر، فقال:«ليس من البر الصيام في السفر»، وكما غَضبَ على أمهاتِ المؤمنين في الاعتكاف، حين رأى خيمتين في المسجد، فقال:«آلبِرَّ تُرِدْنَ؟». فقد يحل الغضب على ترك الرخصةِ أيضًا، فإنْ قلتُ: كيف يلتئم قوله في هذه الرواية: «فالآخذ بها والتارك لها»، مع ما ورد في بعض الروايات:«لم يعمل به أحد»؟ قلتَ: كانت تلك معاملة ألوفٍ من الصحابة، وفي مثلها تأتي الاعتبارات كلها.
قوله:(فلم يقدروا على العمرة) أراد بها العمرةَ المنفصلةَ عن الحج، بحيث يتخلل الحِلُّ بينهما، وإلا فلا ريبَ أنَّ القارنين كلهم قد أتوا بأفعال العمرة.
وتوضيحه: أنَّ الرواة إنما يعتدون بالعمرة التي يعقُبُها الحل، وما لا حلَّ بعدها لا يعبرونَ عنها بالعمرة، لكونها غير معتدَّةٍ عندهم، وذلك لأن العمرة إذا صادَفها الحلُّ تميزت عن الحج