الأول في مجاوزةِ أبي قَتَادة عن الميقاتِ بدون إحرام. ويتضِحُ جوابه مما ذكره الحافظ في سياق القِصة، قال: وحاصل القصة أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لما خرج في عمرة الحديبية، فبلغ الرَّوحَاء، وهي من ذي الحُلَيفة على أربعة وثلاثين ميلًا، أخبروه بأن عدوًا من المشركين بوادي غيقة، يُخشى منهم أن يقصدوا غرته، فجهز طائفةً من أصحابه. فيهم أبو قَتَادة إلى جهتهم ليأمن شرُّهم، فلما أمنوا ذلك، لحقَ أبو قتادة وأصحابه بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فأحرموا، إلا هو، فاستمر حلالًا، لأنه إما لم يجاوز الميقات، وإما لم يقصد العمرة. قلت: والثاني جواب على طور الشافعية، فإنَّ نية العمرة أو الحج شرطٌ عندهم لوجوب الإِحرام، وبهذا يرتفعُ الإِشكال الذي نَكره أبو بكر الأثرم. قال: كنتُ أسمعُ أصحابنا يتعجبون من هذا الحديث، ويقولون: كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز الميقات، وهو غير محرمٍ، ولا يدرون ما وجهه، قال: حتى وجدته في رواية من حديث أبي سعيد، فيها: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحرمنا، فلما كنا بمكان كذا إذا نحن بأبي قتادة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه في وجه" ... الحديث. قال: فإذا أبو قتادة إنما جاز له ذلك، لأنه لم يخرج يريدُ مكة. قلت: وهذه الرواية التي أشار إليها تقتضي أن أبا قتادة لم يخرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة، وليس كذلك لما بيناه. ثم وجدتُ في "صحيح ابن حبان"، والبزار، من طريق عياض بن عبد الله عن أبي سعيد، قال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا قتادةَ على الصدقة، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه، وهم محرمون حتى نزلوا بعُسفَان"، فهذا سببٌ آخر، ويُحتمل جمعهما؛ والذي يظهرُ أن أبا قتادة إنما أخر الإِحرام لأنه لم يتحقق أنه يدخل مكة، فسَاغ له التأخير. وقد استُدِل بقصة أبي قَتَادة على جواز دخول الحرم بغير إحرام لمن لم يرد حجًا ولا عمرة. وقيل: كانت هذه القصة قبل أن يُوَقِّت النبي - صلى الله عليه وسلم - المواقيت. وأما قول عياض ومن تبعه: إن أبا قتادة لم يكن خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة، وإنما بعثه أهل المدينة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلِمُونه أن بعضَ العربِ قصدوا الإِغارة على المدينة، فهو ضعيفٌ =