هذا محمل الحديث، والله أعلم. ثم لا خِلَافَ أن من مات وبيده عبدٌ، فادَّعى بعضُ الوَرثَةِ أنه أخوه، لايَثبُتُ به النَّسَب من الميت، وَيدخُل مع المدعي في ميراثه أيضًا عند أكثر أهل العلم، ولا يَدخُلُ عند بعضٍ، منهم الشافعيُّ. ورُوِيَ عن عبد الله بن الزُّبَير، قال: "كانت لزَمعَة جاريةٌ يطؤها، وكان يَظُنُّ برجل يَقَعُ عليها، فمات زَمْعَة وهي حُبْلى، فَوَلَدَت غلَامًا كان يُشْبِهُ المظنون به، فذكرته سَودَةُ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أمَّا الميراثُ، فله. وأما أنت، فاحتجبي منه، فإنه ليس بأخٍ لك". ففيه نفيُ أخوَّته لِسَودة. وقوله: "أما الميراثُ، فله"، أراد به الميراث في حصة عبدٍ بإقراره، لا فيما سواه من تركة زَمْعَة. قال القاضي أبو الوليد: الحقُّ أن الذي أبطل دعوى سَعد عِلمُ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفراش الذي ادَّعَاه عبد بن زَمْعَة لأبيه، إذ لا يَخفَى عليه بالصهورة التي كانت بينه وبينه. يُحَقِّقُهُ ما في حديث ابن الزُّبير: "كانت لزَمْعَة جاريةٌ يَطَؤها"، فحكم بذلك بقوله: "الولد للفراش"، وقال: "هو لك يا عبد بن زَمْعَة"، أي على ما تدَّعِيه من أنه أخوك. قوله: "هو لك"، أي بيدك عليه تَمنَعُ بذلك غيرك، كقوله في اللُّقَطَةِ: "هو لك، أو لأخيكَ، أو للذئب"،، ليس على معنى التمليك، وجَعلِ الميراث له، أي من جميع تركته. ولو لم يَثبُت نَسَبُهُ من زَمْعَةَ، لثبت نَسَبُهُ من عُتبةَ بادِّعَاءِ أخيه سَعد ذلك له بعهده إليه به، على ما كان الحكمُ به من إلحاق أولاد البغايا بمن ادَّعَاهُم. ولمَّا بَطَلَ ذلك بالعِتقِ الذي حَصَلَ له، بادِّعَاءِ عبد بن زَمعَة، إذ لا تأثيرَ للعِتقِ في إبطال دعوى النَّسَبِ، وأمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَودَةَ بالاحتجاب من باب التورُّع، لأن حكمَ الحاكم لا يَنقُلُ الأمرَ عمَّا هو عليه في الباطن، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا بشرٌ، وإنكم تختَصِمُون إليَّ، ولعلَّ بعضَكم ألحن بحُجَّتِهِ من بعضٍ ... الحديث. فاحتمل أن لا يكون الولد لزَمْعَة، لا سيَّما مع الشَّبَهِ البيِّن لعُتبَة، إذ الفراشُ علامةٌ، ودليلٌ قد يكون الأمر في الباطن بخلاف الدليل الظاهر. فلا يَحِلُّ لمن عَلِمَ منه خلاف ما حُكِمَ له به: أن يَستَبِيحَ بالحكم ما لا يجوز له على ما عَلِمَ من باطن الأمر، والله تعالى أعلم.